يعرف جون كيري أنه ليس جيمس بيكر. وأن باراك أوباما ليس جورج بوش الأب. وأن سيد الكرملين اسمه فلاديمير بوتين وليس ميخائيل غورباتشوف. وأن الأيام مختلفة عن تلك التي خرجت فيها أميركا منتصرة من الحرب الباردة بعدما دفعت الاتحاد السوفياتي الى متحف التاريخ. ويعرف ايضاً أن بيكر كان قادراً على جمع المتناقضين تحت القبعة الأميركية. وكان قادراً على توزيع الضمانات والضمادات. لهذا كان يحذر المترددين من إضاعة فرصة الصعود الى القطار. يعرف جون كيري أنه ليس كولن باول. وأن باراك أوباما ليس جورج بوش الابن. وأن أميركا اليوم هي غير أميركا التي خرجت مجروحة من «غزوتي نيويورك وواشنطن». وأنها أنفقت من الدم والمال في العراق وأفغانستان ما يمنعها من تكرار التجارب البرية الواسعة. ويدرك أن النتائج في المسرحين العراقي والأفغاني تضاعف تردد من يدعى الى الصعود الى قطار التحالف الجديد. وأن باراك أوباما لا يفكر في اقتلاع نظام بشار الأسد على غرار ما فعل بوش الابن بنظام صدام حسين. يعرف جون كيري ايضاً أن المنطقة تغيرت وتمزقت. وأن دولاً فيها ارتكبت ما يرتكبه الأفراد. الأحلام والأوهام. وسوء التقدير. والغرور. وتصفية حسابات التاريخ. واحتقار قواعد التعايش وحسن الجوار والحدود الدولية. حققت بعض دول المنطقة ما يفوق قدرتها على الهضم وإدارة المكاسب. ارتكبت دول في الإقليم مجازفات خطرة. حاولت تصدير ثورتها. أو فرض لونها. أو استعادة مجدٍ ضاع. وتوهمت دول صغيرة أن باستطاعتها بفعل ثروتها وإعلامها أن تغير ملامح دول كبيرة في الإقليم أو تحجم أدوار أخرى. لا يتسع المجال هنا للخوض في تفاصيل الانقلابات والمجازفات سواء كانت إيرانية أم تركية أم سورية أم قطرية أم «إخوانية». مزقت المجازفات والانتفاضات والانهيارات الجيوش والدول والمجتمعات. والذين ابتهجوا بالفرار من الظلم وجدوا أنفسهم بين براثن الظلام. لا تستطيع المنطقة احتمال «دولة البغدادي». وجودها خطر على جيرانها وعلى العالم ايضاً. استمرارها يعني تكاثر الذباحين والمذبوحين. وتمزيق الحدود. وإعادة مناطق كاملة الى الكهوف. وتغيير نمط حياة الناس. والتلاعب بالهويات. واقتلاع الأقليات. وتحقير المرأة. وإطلاق الصراع السنّي-الشيعي على مصراعيه. وتعميم ممارسات الجزية والسبي وإنتاج أجيال من الانتحاريين للانفجار بمجتمعاتهم وبالعالم. طاردت لعنة الشرق الأوسط أوباما الهارب. أرغمته وأعادته. اشترط للتجاوب مع النداءات والاستغاثات أن يحلق على علو مرتفع. لن يرسل الجنود مجدداً الى الفلوجة. لن يرسلهم لاستعادة الرقة. سيُمطر «داعش» بالقنابل والصواريخ لكن على أهل المناطق المعنية والقلقة أن يقتلعوا أشواكهم بأيديهم. أن يصعدوا الى قطار التحالف ويتوزعوا الأعباء والأثمان. يواجه القطار مشكلتين كبيرتين. عدم تطابق أجندات وحسابات من صعدوا اليه. وإصرار أطراف أخرى على حرف القطار عن سكته للصعود اليه. ليس بسيطاً أن نسمع موسكو تتحدث عن ضرورة التحرك تحت راية الشرعية الدولية فيما تواصل تفكيك أوكرانيا المجاورة لاستكمال إخضاعها. وليس بسيطاً أن نسمع إيران تحذر من «اللعب بمستودع البارود» كأنها بريئة من اللعب ببراميل البارود في المنطقة. وليس بسيطاً ان يُصر النظام السوري على حجز مقعد له في القطار معتبراً أنها قد تكون الفرصة الأخيرة لإعادة تأهيله وهو طلب جوبه بالرفض حتى الآن. التردد التركي في لعب دور جدي في التحالف يستحق التوقف طويلاً عند تبريراته ومغازيه. اسئلة كثيرة تطرح نفسها. من سيملأ الفراغ في حال تقويض سلطة «داعش» على المناطق التي يسيطر عليها؟ واضح أن المحطة العراقية أكثر سهولة. هناك طلب بالمساعدة من الحكومة التي غاب عنها نوري المالكي. هناك الجيش العراقي والبيشمركة وثوار العشائر. لكن المحطة السورية أكثر صعوبة. انتظار تأهيل «الجيش الحر» قد يستغرق وقتاً. وبعض الكتائب المقاتلة تريد من التحالف استهداف «داعش» والنظام معاً وهو غير مطروح الآن ويعني في حال حصوله الاصطدام سريعاً بإيران وروسيا. واستهداف «داعش» وحده قد يُغري هذه الكتائب بالتعاطف معه. ليس سهلاً على روسيا وإيران أن تريا الطائرات الأميركية تهاجم اهدافاً في سورية. وليس الامر سهلاً على النظام السوري و «حزب الله». نجاح التحالف في مهمته سيفرض قواعد جديدة للعبة. سيغير موازين القوى في مسرح العمليات وجواره وهذا ما يجعل القطار عرضة لكل أنواع الأخطار.