يحاول الرئيس الإيراني حسن روحاني أن يخطب ود الشركات العالمية في منتدى دافوس هذا الأسبوع، بعد تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده، لكن أي طفرة تجارية ستتوقف على نجاح المحادثات النووية في المدى الطويل. ويواجه روحاني عقبات، مثل تضييق الولايات المتحدة الخناق على استخدام إيران النظام المالي العالمي، وعدم التيقن بشأن مستقبل محادثات البرنامج النووي، بعد اتفاق أولي مدته ستة أشهر، والمصالح الشخصية في إيران المتشككة بدورها إزاء الاستثمارات الغربية. ونقلت وكالة "رويترز"، في تحليل نشرته أمس، عن مستشار غربي لكثير من الشركات العالمية الكبرى؛ قوله: "سأندهش إذا اعتلت إيران سريعا لائحة الأسواق المغرية، لكنها قد تكون جذابة لشركات صناعية معينة في المدى القصير إلى المتوسط". وقال طالبا عدم نشر اسمه، شأنه شأن كثيرين عندما يتعلق الأمر بالشأن الإيراني، بسبب الحساسيات السياسية: "إيران تبعث بإشارات، وهو شيء محل ترحيب، لكن أعتقد أن معظم رجال الأعمال سيتوخون الحذر، وسينتظرون إلى أن تتضح الصورة". وبعد استهلال كان له مفعول السحر في الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر)، يرفع روحاني الستار عن الفصل الثاني لعودة طهران إلى الساحة الدولية، عندما يخطب أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري، يوم الخميس المقبل، وهو الحدث الذي يجذب رجال السياسة والأعمال من أنحاء العالم. وكان البيت الأبيض كشف يوم الخميس الماضي، عن ملخص للاتفاق المؤقت الذي أبرم في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بين إيران والقوى العالمية الست الكبرى، ووافقت إيران بموجبه على وقف إنتاج اليورانيوم، المُخصّب بنسبة 20 في المائة، بحلول 20 كانون الثاني (يناير). وفي المقابل، يبدأ اليوم تخفيف بعض العقوبات المفروضة بسبب البرنامج النووي، الذي تشك دول غربية في أنه يهدف إلى تصنيع أسلحة، وهو ما تنفيه إيران. وفي المدى القصير، ستقتصر فرص المشاريع على قطاعات مثل "الغذاء" و"السلع الاستهلاكية" و"الدواء" و"السيارات" و"البتروكيماويات". وبموجب الاتفاق المرحلي تستطيع إيران إنفاق 4.2 مليار دولار من الأموال التي سيفك تجميدها لستة أشهر لكن معظم العقوبات ستستمر لحين التوصل إلى اتفاق طويل المدى. لكن الإمكانات، في سوق حجمها 76 مليون نسمة، في بلد يملك بعض أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم؛ ستستقطب الشركات الأجنبية الباحثة عن فرص للمدى الطويل. وتقول إيران، إنها تريد عودة سبع شركات طاقة، هي: "شل"، "توتال"، "إيني"، "أو إم في"، "شتات أويل"؛ من أوروبا، و"إكسون موبيل"، "كونوكو فيليبس" الأمريكيتان. وشاركت "رينو" و"بيجو" الفرنسيتان، في مؤتمر لصناعة السيارات في إيران في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وقد ينطوي أسطول الطائرات الإيراني العتيق على فرص لـ "بوينج" و"أيرباص". وقال بيجان خاجه بور، وهو مستشار أعمال إيراني مقيم في فيينا: إن هناك بوادر "حمى الذهب" في طهران، حيث تهرع روسيا والصين إلى محاولة إبرام اتفاقات لمقايضة النفط، قبل وصول الشركات الغربية بالتكنولوجيا التي تتوق لها إيران. وقال خاجه بور، العضو المنتدب لشركة "عطية إنترناشونال": "نتلقى استفسارات من عدد كبير من الزبائن القدامى وبعض العملاء الجدد". ويريد المسؤولون الإيرانيون تنظيم سباق بين المنافسين الأوروبيين، ولاحقا الشركات الأمريكية، للحصول على أفضل الصفقات. لكن إبرام صفقات لن يكون ممكنا إلا بعد رفع العقوبات بالكامل ضمن تسوية نهائية. وقال مسؤول كبير لـ "رويترز"، مشترطا عدم نشر اسمه: "الشركات الأمريكية تواقة إلى دخول السوق الإيرانية. من مصنعي السيارات إلى مصنعي الطائرات. يمهدون الأرض لحين رفع العقوبات". وقال خاجه بور: إن من أبرز القطاعات الواعدة في المدى القصير "السيارات" و"الصناعات الدوائية" و"الغذاء" و"السلع الاستهلاكية"، وفي المدى الطويل "إنتاج النفط والغاز" و"التكنولوجيا" و"الطائرات". وقالت متحدثة باسم فندق "هوما" في طهران، وهو مركز للأعمال التجارية الدولية: إن عدد النزلاء الأوروبيين زاد 30 في المائة عنه قبل عام، لكن لا الفندق ممتلئ بالنزلاء ولا الرحلات المتجهة إلى العاصمة بالركاب. وبحسب مهرداد جلالي بور، مدير مؤسسة تطوير التجارة الإيرانية، فقد قامت وفود تجارية من تركيا وجورجيا وأيرلندا وتونس وكازاخستان والصين وإيطاليا والهند والنمسا والسويد؛ بزيارة إيران منذ أوائل كانون الأول (ديسمبر). وتوجه مُشرِّعون بريطانيون إلى هناك هذا الشهر، ويقوم وفد من رجال الصناعة الفرنسيين بزيارة طهران بين الثاني والخامس من شباط (فبراير). ويقول محللون سياسيون إيرانيون: إن روحاني بحاجة إلى التعجيل ببث شعور بالارتياح من تخفيف العقوبات، لحشد دعم الرأي العام ومؤسسة الحكم، لتسوية نووية. وقد يقدم قطاع السيارات نصرا سريعا. وإيران من أكبر عشر أسواق في العالم، بطلب بلغ 1.5 مليون سيارة سنويا في 2011 قبل تشديد العقوبات. وقال مسؤول تنفيذي في قطاع السيارات في المنطقة: إن الطلب تراجع إلى نحو 800 ألف، لكن يمكن أن يرتفع سريعا. وكانت "رينو" و"بيجو" و"نيسان" و"سوزوكي" و"كيا" و"مازدا"؛ تقوم في مرحلة سابقة بتزويد شركاء إيرانيين بالمكونات، ليتولوا تجميعها محليا. والآن تسد الشركات الصينية تلك الفجوة جزئيا، لترفع بحسب المسؤول التنفيذي حصتها في السوق، من 1 في المائة إلى ما يُراوح بين 5 و6 في المائة. ويعاني قطاع الطيران الإيراني بشدة من جرّاء العقوبات الأمريكية المفروضة منذ 1979، التي ألجأت الشركات إلى استخدام قطع غيار مُصنّعة محليا أو منزوعة، لتشغيل طائراتها العتيقة. وقال خاجه بور: إن شركات الطيران الإيرانية بحاجة إلى ما يُقدَّر بنحو 400 طائرة جديدة. وتستطيع الشركات حاليا شراء المكونات فقط، لكن "بوينج" و"أيرباص" ستستفيدان فور رفع العقوبات بشكل كامل. وفي الأسبوع الماضي، زار ديفيد كوين وكيل وزارة الخزانة الأمريكية أوروبا، لمناقشة استمرار العمل بالعقوبات التي تحول دون استخدام إيران نظام المدفوعات العالمي. وقال مسؤول أمريكي كبير: إن كوين بعث برسالة صارمة، وأبلغ الصحافيين: "إيران ليست مفتوحة للشركات. هناك مجالات معينة مفتوحة لكنها محدودة". وقال: "الرسالة الموجهة إلى قطاع الأعمال، هي أنهم إذا كانوا يعتقدون أننا رفعنا العقوبات فهذا سوء فهم. العقوبات قائمة". وقال مسؤول أمريكي يوم الجمعة الماضي: إن الأموال الإيرانية البالغة 4.2 مليار دولار، التي تقرر فك تجميدها بموجب الاتفاق المرحلي؛ ليست سوى جزء ضئيل من إجمالي الأصول الأجنبية المُجمّدة لها في أنحاء العالم، التي قدّرها المسؤول بنحو 100 مليار دولار. ويقول منتقدون غربيون للاتفاق: إنه حتى فرص التجارة المحدودة ستخفف الضغوط المفروضة على إيران، لحملها على التخلي عما يُعتقد أن سعيها لامتلاك قدرات أسلحة نووية، وقد تغذي في نهاية المطاف البرنامج النووي. وتصر إيران على أن برنامجها النووي يقتصر على الأغراض السلمية، شأنها شأن دول أخرى رفعت عنها العقوبات، سيكون هناك خاسرون ورابحون، وقد يجد بعض الخاسرين مصلحة في إفشال المفاوضات النووية. أحد الرابحين المحتملين هي إمارة دبي، وهي منفذ تجاري قديم لإيران، لكن حكومتها امتثلت بتردد للعقوبات، الأمر الذي أثار استياء طبقة التجار ذات النفوذ.