لي مع الجزائر واليمن مواقف وذكريات تقفز للذاكرة وتلح عليها رغم انشغال الفكر والبال والمقال بأحداث مصر التي كنت أظنها ستنفرج أو تفرج!. والحق أن بوابة أي انفراج لأي أزمة داخلية -صغرت أم كبرت- هو الحوار! يُغالي طرف في الخصام ويُغالي الآخر في التحدي ويفرح الصغار بالقطيعة، ويهلل المراهقون للوقيعة لكنه في النهاية يظل الطريق الأمثل لتعديل وتصحيح أي مسار. بالأمس وحين كانت الصحف الجزائرية والعربية والعالمية تفرد مساحات واسعة للنشاط الذي دبَّ في الجزائر مع شفاء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لم يلفت نظري قدرته على إبعاد وزراء ينتمون لجبهة التحرير، ولا تغيير وزير الداخلية أو الخارجية أو العدل، ولا استحداث منصب نائب لوزير الدفاع، ولا التمسك بوزير الطاقة المتهم برشاوى مالية، أو الإصرار على بقاء وزير الثقافة خليدة تومي.. كل ذلك وأكثر منه لم يلفت نظري بقدر ما تألمت في نهاية كل خبر وتقرير لقاء بوتفليقة مع رئيس حركة النهضة التونسي راشد الغنوشي، ثم مع رئيس الوزراء التونسي الأسبق الباجي قايد السبسي. والحق عندي أن بوتفليقة بكل ما له من تاريخ في الدبلوماسية العربية وما عليه مما يراه البعض في الداخل الجزائري يستطيع أن يلعب دورا نوعيا في إنهاء الأزمة التونسية - التونسية ويقينًا لو أنه فعلها لخصص له تاريخ الأمة صفحة ناصعة ينهي بها حياته السياسية وهو في كامل لياقته!. لقد كانت التجربة الجزائرية مريرة بالفعل وقاسية بالفعل تحمل خلالها الشعب توابع كثيرة على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن ثم فإن أي حديث أو همس أو نصيحة من بوتفليقة للغنوشي والسبسي هي بالفعل من رحم الأزمة، ومن خلاصة تجربة مكتملة بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات. في المقابل، فإن مجرد موافقة الغنوشي على توسط بوتفليقة هو في حد ذاته بُعد نظر سياسي وسعة أفق فكري وطرق لجميع الأبواب الموصدة أملا في الحوار، والحوار هو الباب الذهبي للانفراج. وفي اليمن، لم يكن قرار الرئيس عبدربه منصور هادي بإعادة 700 ضابط جنوبي إلى القوات المسلحة والشرطة مجرد إجراء تنظيمي أو حتى تصحيحي بقدر ما كان عربون ثقة يقدمه هادي لقادة الحراك الجنوبي أملًا في نجاح الحوار الوطني الذي طالت جلساته وأيامه ولياليه دون تقدم حقيقي على الأرض. لقد اقتتل اليمنيون فيما بينهم تارة بالأسلحة والمدفعية الثقيلة وأخرى بالأسلحة الخفيفة، وتحولت شوارع صنعاء وعدن إلى بحيرات من الدماء، وظن كثيرون أن السلاح وحده يمكن أن يحسمها، وقال آخرون: إن الجيش كفيل بها، وقال بعضهم: إن القوة ستفرض نفسها.. سنوات بل عقود طويلة من الصراع اليمني اليمني قبل أن يوقن الجميع أنه لا مناص من الحوار، وأن الحوار الحقيقي هو البوابة والمقدمة الطبيعية لأي انفراج. لقد دخل اليمنيون أو كادوا في صلب الموضوع.. فك الارتباط بين الشمال والجنوب أم فيدرالية أم وحدة اندماجية؟! ناقش وجادل واطرح رؤيتك على المائدة! لن ينفعك السلاح ولا الصياح ولا النباح.. ثلاثة وعشرون عاما من الاقتتال، ما الذي جنته اليمن خلالها غير الخراب والدمار؟!. الشيء الذي يحيرك في أمة العرب أن فيها ومن بينها حكماء يستطيعون حل أزمات أمم، ويفشلون في حل أزمات شعوبهم!!. خذ على سبيال المثال لا الحصر، في الجزائر أحمد طالب الإبراهيمي، والأخضر الابراهيمي، وبوتفليقة، وبلخادم، وبن بيلا، وعشرات غيرهم. وفي اليمن حيدر أبوبكر عطاس وعبدالرحمن الجفري، وباسندوه، وباجمال، والأنسي والزنداني ونعمان.. وعشرات غيرهم! ولله في خلقه شؤون!. في مانشيتات الصحف أمس قرأت بفرح غامر ما يلي: الحوار البحريني ينجز ورقة "المبادئ والقيم" ومرجعيته الدستور. الحوار اليمني يتجه إلى الدولة الاتحادية التي تضم عدة أقاليم. الاتحاد التونسي للشغل يعلن عن مبادرة جديدة للحوار الوطني. الرئيس سليمان يرحب بمبادرة رئيس مجلس النواب للحوار في لبنان. المؤتمر الوطني الليبي العام يؤكد: فرصة الحوار لازالت قائمة لحل الأزمة.. تحاوروا تصحوا!! sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain