زياد الدريس احتار الناس حول من انتصر في حرب غزة: الفلسطينيون أم الإسرائيليون، «كتائب القسام» أم جيوش نتانياهو؟ بالمعيار العسكري الإحصائي الذي يعدّد كمّ القتلى والجرحى والبيوت المهدمة والخراب والدمار، فإن إسرائيل هي التي انتصرت قطعاً. وقطعاً أيضاً أن هذه النتيجة التعدادية لم تكن مفاجئة لـ «كتائب القسام» أو مسؤولي «حماس» أو أهالي غزة، إذ إن هناك حسابات أخرى قد تعطي نتائج أخرى. عدا المعيار العسكري القتالي، هناك المعيار الأمني الاجتماعي الذي تنتشر أعراضه وتتفاقم أكثر من الأول. هل أصبح المستوطن الإسرائيلي أكثر أمناً بعد حرب غزة أم أقل؟! هذا هو السؤال. في حروب التحرر بالذات يصبح جواب هذا السؤال هو مربط الفرس الحربي. وسيصبح من أهم تفريعات السؤال رؤية المجاورين والمتحالفين لمشروعية مساعي المحتل تبرير احتلاله وتكريسه. كلما ازداد عدد قتلى الفلسطينيين انخفض مستوى أمن الإسرائيليين! هذه المفارقة العجيبة لا يصنعها فقط الانطباع الداخلي للمستوطن اليهودي الذي يحزم حقائبه مغادراً «الأرض الموعودة»، بل يساهم في صناعتها وبقوة أيضاً الانطباع الخارجي الذي بات يشكك في ذرائعية الاحتلال. هذا الانطباع الخارجي لم يعد يتكئ على ما تشتهي الجيوش الإعلامية محاربة الإنسان المهزوم به، الإنسان المغلوب على أمره المتسمّر أمام الشاشة يستقبل فقط ولا يرسل. فالإعلام الجديد بات يصنع الفرق عبر وسائط التواصل الاجتماعي. الذين خرجوا وتظاهروا في شوارع أوروبا وأميركا ضد اسرائيل لم يتابعوا حرب غزة عبر فضائيات ميردوخ، الشريكة في الحرب مع اسرائيل، أو عبر تغطيات CNN و BBC المتحيزة على استحياء. بل هم يأخذون الخبر طازجاً من «مراسلي» تويتر ثم يصنعون موقفهم المتحيز مع أحد طرفي الصراع. الشوارع الغربية المكتظة بالمحتجين ضد الدولة اليهودية يساهمون كثيراً في تخفيض أمن اليهودي المهاجر إلى أرض الميعاد. بل إن وحشية نتانياهو لم تساهم فقط في خفض أمن واستقرار اليهودي داخل فلسطين المحتلة، بل وأيضاً في خفض أمن واستقرار اليهودي في مدن العالم المختلفة عبر تصاعد معاداة السامية! تحولات الشارع الغربي في الموقف من اسرائيل، من هولندا المتحيزة دوماً معها إلى بريطانيا الصانعة إلى أميركا المشغّلة لها، لا بد من أن تؤخذ في الاعتبار عند وضع حسابات الأرباح والخسائر في حرب غزة. إذا كانت القضية الفلسطينية قد فقدت تعاطف عشرات من العرب، الذين سئموا من طول التعاطف!، فقد كسبت آلاف وملايين المتعاطفين من أوروبا وأميركا وأفريقيا وآسيا، ممن سيُربكون معادلة الموقف السياسي، خصوصاً إذا ارتبط هذا التعاطف بإجراءات اقتصادية كالتي تضخّها مجموعات «المقاطعة ضد المنتجات الإسرائيلية» في بعض مدن العالم حالياً. المؤكد أن هناك حسابات أخرى لنتائج الحرب غير عدد القتلى والجرحى على رغم شناعة الموت. .. الحياة