طغت الصحافة المصرية على كل صحافة عربية أخرى طوال عقود، ولم يكن السبب فقط حجم مصر وكونها مقر القرار السياسي وموقع جامعات العرب ومدارس أبنائهم، بل كان أيضا غياب الصحافة في الدول الأخرى. فقد أُممت في سوريا والعراق. وضاعت مع ضياع فلسطين. ولم تُعط أي أهمية في بلدان المغرب بسبب الأثر الفرنسي في اللغة. أُممت الصحافة في مصر، لكنها لم تُلغَ، بل عرفت ثورة 23 يوليو (تموز) كيف تستغلها في الداخل والخارج. وعلى الرغم من تعيين ضباط، أو مفوضين، في إدارة الصحف، استمر الصحافيون في التطور والإشراق. واستغلّت الصحافة اللبنانية الفرصة فلمعت كصحافة مستقلّة، أو بالأحرى متمتعة بالحريّة. ولم تعد مصر تحتكر حتى الصحافة الفنية عندما أصدر سعيد فريحة «الشبكة» التي راجت في العالم العربي. أي أن بيروت أصبحت المطبعة الثانية للصحافة السياسية والأدبية والفنية، إضافة إلى نموها كناشرة كتب وموزعة وبائعة. دخلت عالم الصحافة، في مداه العربي، الكويت أيضا. احتضنت الصحافيين الذين لم يعد لهم عمل في العراق وسوريا وفلسطين، بالإضافة إلى الراغبين من المصريين واللبنانيين. وأدركت الكويت المستقلّة حديثا، في وقت مبكر، أهمية الإعلام السائد آنذاك في شقَّّيه، المكتوب والإذاعي. وكان خلف الصورة الإعلامية الشيخ صباح الأحمد نفسه، بادئا بتأسيس مجلة «العربي»، وفتح بابا مدروسا للمساحة أمام إصدار الصحف اليومية والمجلات. وتولَّت وزارة الإعلام، مثل وزارة الثقافة المصرية، إصدار مجلات علمية وفكرية وثقافية من أعلى المراتب. ازداد دور الصحافة الكويتية مع قيام حرب لبنان. واتجه نحوها صحافيون عرب كان أبرزهم أحمد بهاء الدين. وكان قد عمل فيها من قبل شفيق الحوت وطلال سلمان وغسان كنفاني وخالد قطمة ومحمود المراغي وعبد الله شعيتو، بالإضافة إلى كتّابها من أساتذة الجامعة العرب. وفي هذا المناخ الثقافي انتعشت حركة المسرح والفن على المستوى الخليجي والعربي، فبرزت وجوه مشرقة مثل عبد الحسين عبد الرضا، وصارت اللهجة الكويتية مثل المصرية واللبنانية مألوفة في كل مكان، تفهم منها عندما تسمع كلمة «رياييل» أن المقصود هم «الرجال»، أو أن «اليهال» هم «الجهال»، أي اليافعين. فجأة، أصبح للصحافة العربية موقع غير متوقع، هو أوروبا، خصوصا لندن. صدرت «العربي» ثم «الشرق الأوسط» ثم «الحياة». ومن لندن وزعت «الشرق الأوسط» قبل الإنترنت طبعاتها على أنحاء العالم، من نيس إلى تكساس. وأخذت تضم إليها كبار الكتّاب العرب، مغربا ومشرقا. وقد مر بها صفوف من قاماتهم يعصون على الذاكرة، إلا صاحبَي أكثر الأقلام طراوة، أحمد بهاء الدين وأنيس منصور. إلى اللقاء..