** خلال فترة وجيزة جداً.. أصبح هناك فرق شاسع بين جيل الشباب وكل الأجيال السابقة له.. وذلك بفضل التقنيات الحديثة التي توفرت وتطورت بسرعة كبيرة.. لا تكاد الأجيال السابقة لجيل الشباب تعرف شيئاً كثيراً عن أدواتها ومفاتيح تقنيات التعامل بها. الأجهزة الحديثة التي بين يدي الشباب ليست نوع من أنواع الرفاهية.. لكنها أصبحت ضرورة ملحة.. لأنها لغة تواصل تتيح للشاب.. أو لمن يتعامل بها خلق حالة لم نعهدها من قبل.. إنها حالة «وحدة» جماعية، بمعنى أنها تفرض نوعا من الوحدة والتوحد لمن يستخدمها.. لكنها في نفس الوقت تعد رابطا جماعيا مهما جداً جداً.. لأن مستخدمها لا يحتاج إلى وجود الآخرين حتى يتمكن من التواصل معهم.. لأنهم جميعاً يتواجدون على الجهاز الذي في يده.. قد نقول إن هذا نتج عنه حالة سلبية.. بشكل أو بآخر.. فأنت ترى - كل أو معظم - من يمر من أمامك مشغولا عن كل ما حوله بانكبابه على الجهاز الذي بين يديه في حالة تخاطب وتواصل شبه دائم مع أولئك الذين هم على اتصال مباشر معه ومع غيره من أمثاله. بمعنى أن الحالة أصبحت وحدة حميمة وأليفة.. لا يشعر من يعيشها بأي ضيق أو حاجة مباشرة لتواصل الآخرين معه.. حتى داخل المنزل تجد - كل أو معظم - أفراد العائلة.. مشغولين عن أنفسهم وعن كل من حولهم بتفاعلهم مع العالم الذي اختاروا التفاعل معه.. من دون شكوى أو ضيق بالحالة التي غرق كل منهم فيها. ليس لدينا فقط.. لكن في كل شوارع مدن العالم المتحضر تجد هذه الحالة أمامك كحالة عامة. لم يعد الأمر كالسابق.. فأنت لا تحتاج لمجلس أو مقهى أو أي مكان لأن كل من تعرف تصلك أخبارهم أولاً بأول وتعرف عنهم كل شيء من دون الحاجة لرؤيتهم وجهاً لوجه. أنا لا أحب هذه الحالة.. ولا أحب التعامل بها أو معها.. رغم هذا أجد انها الحل الوحيد أو الطريقة الوحيدة العملية للتواصل مع الآخرين الذين يمكن التواصل معهم بالصوت والكلمة والصورة.. وهذا أمر أدى لتراجع كثير من الفنون والأدوات ولغة التفاعل مع كل الآخرين.. بما في ذلك لغة المعرفة والخبر والاشاعة والنكتة.. وحتى الشتيمة أيضاً.. إنها حالة تجاوزت لغة. - أنته فينك يا حبيبي من زمان غايب علينا.