في ضوء الاستراتيجية الوطنية للتحول إلى مجتمع المعرفة التي نشرت عام 2014م، تهدف إلى أن تصبح المملكة مجتمعاً معرفياً بحلول عام 1444هـ، 2022م في ظل اقتصاد قائم على المعرفة مزدهر ومتنوع المصادر والإمكانات،ومجتمع المعرفة يعني - طبقا لتعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي - "المجتمع الذي يقوم أساسا على نشر المعرفة وانتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي: الاقتصاد، المجتمع المدني، السياسة والحياة الخاصة وصولا لترقية الحالة الانسانية باطراد، أي إقامة التنمية الانسانية". وهذا الهدف الطموح يتطلب مساهمة كافة قطاعات ومكونات المجتمع، وليس ذلك وقفا على الدولة وحدها أو مؤسساتها التعليمية. وفي سبيل الإعداد لبناء هذا المجتمع المعرفي لابد من التعرف على اتجاهات القراءة لدى أفراد المجتمع. فالقراءة هي البوابة الحقيقية للتعلم، وأهم الوسائل التي تمكن الأفراد من استيعاب التغيرات المتسارعة في الحياة المعاصرة، فهي إحدى الوسائل الرئيسة للتزود بالمعرفة والتعلم الذاتي. ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي لتنفيذ دراسة وطنية تشمل جميع أنحاء المملكة للتعرف على اتجاهات القراءة وأنماطها لدى المجتمع السعودي ووسائل التزود بالمعرفة، بهدف توفير معلومات دقيقة يمكن الاعتماد عليها في تأسيس قاعدة معلوماتية تمكن متخذي القرار في المجالات الثقافية والمجالات الأخرى ذات الصلة من وضع خطط محددة تستند إلى مسح يمكن الوثوق بنتائجه. لكن الواقع المشاهد يشهد تدنيا في الاهتمام بالقراءة لا سيما من قطاع واسع من الشباب، بل قد يرى بعضهم في الكتاب عدوا لدودا لا يتعامل معه إلا في حدود دراسة مقرر أو الاستعداد لاختبار ، ثم الويل له بعد ذلك. وقد أُجريت دراسة بهدف التعرف على معدل قراءات الشعوب في العالم، حيث كانت النتيجة: أن معدل قراءة الرجل العادي - الذي يعمل في المحلات والأعمال الحرفية - في اليابان أربعون كتاباً في السنة، ومعدل قراءة الفرد في المجتمع الأوروبي عشرة كتب في السنة، في الوقت الذي كان معدل قراءة الفرد في الوطن العربي عُشر كتاب، بمعنى أنه يقرأ في العام عشرين صفحة من كتاب تبلغ عدد صفحاته مائتي صفحة. فإذا كنا بصدد تحول إلى مجتمع المعرفة فلا بد من العمل على تكريس حب القراءة واعتبارها هواية مفضلة، وهذا يتطلب جهودا تربوية ضرورية بدءاً من الأسرة التي تتحمل مسؤولية رعاية الميول وتنمية الاتجاهات نحو القراءة منذ الصغر، مروراً بالمدرسة التي تتولى مسؤولية تعليم القراءة، وتعزيز حبها في نفوس الناشئة، ثم المجتمع بجميع مؤسساته التي تتحمل مسؤولية تشجيع القراءة وتيسير الحصول على مصادرها. ومهمة البيت أن يقدم القدوة القارئة داخل البيت، وعندما يشاهد الأبناء أباه وأفراد أسرته يقرؤون، ويتعاملون مع الكتاب، فإنه سوف يحاكيهم، ويحاول أن يمسك بالكتاب وتبدأ علاقته معه، ويحسن أن القيام بانتقاء المكتبة المنزلية وتخصيص مكان مناسب لها كما نهتم بصالة الطعام وغيرها من مرافق المنزل. ومن صور التشجيع على القراءة في السنة النبوية طلب النبي (صلى الله عليه وسلم) من أحد أصحابه أن يقرأ عليه. ففي "الصحيحين" من حديث عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اقرأ عليَّ، قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: فإني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغتُ: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} (النساء:41) قال: أمسك، فإذا عيناه تذرفان). قال أحد الشعراء الإنجليز : «قد تكون عندك ثروة ضخمة لا تساويها ثروة أخرى، تملأ بها الكثير من الخزائن، ولكنك لن تكون أبدًا أغنى مني فقد كانت لي أم اعتادت أن تقرأ لي». وتكمن قدرة المدرسة في مجتمع المعرفة، على إعداد الإنسان للمستقبل في تعليمه كيف يتعلم وكيف يبقى متعلما، وهي مدعوة إلى أن تنقل إلى طلابها الرغبة في التعلم، ولذة التعلم، والقدرة على تعلم كيف نتعلم، وحب الاستطلاع العقلي، بل إن المرء يستطيع أن يتخيل مجتمعا يصبح كل فرد فيه معلما ومتعلما على نحو دوري. وهذا يتطلب من المدرسة في مجتمع المعرفة أن تركز - لا سيما في مرحلة التعليم الأساس - على امتلاك التلاميذ أدوات التعلم الأساسية (كالقراءة والكتابة والتعبير اللغوي وحل المشكلات)، وكذلك للمضامين الأساسية للتعلم (كالمعارف والمهارات والقيم والاتجاهات)، الأمر الذي يضمن لهم مواصلة التعلم. إن أول كلمة في أول سورة نزلت على الرسول (صلى الله عليه وسلم) هي أمره بالقراءة قال تعالى: ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) ثم كرر الأمر بها فقال: (اقرأ وربك الأكرم)، وفي ذلك إشارة إلى أن مدخل التغيير للمجتمعات يبدأ بالقراءة، فهل آن لأمة ( اقرأ ) أن تقرأ ؟ أستاذ مشارك بجامعة الدمام