ربما من الحسن أن نعتبر أي حوار يجري حول أي قضية أنه أمر إيجابي. مر زمن كانت فيه الصراعات تبتلع كل صيغ الحوار، نتذكر الصراع على الحداثة في الثمانينات ثم التكفير على العقلانية في أواخر التسعينات، وبلغت الصراعات ذروتها حين دخلت إلى قاعات الثقافة كما في المضاربات بين بعض المثقفين في أحد الأندية الأدبية، والشتائم في أحد المراكز البحثية. الحوار كما يعرفه الفيلسوف الألماني هابرماس هو صيغة تواصل، وهو أساس أي تعلم ويسمي هذا النوع من الحوار آلية التواصل، ويعرفه أيضا بـ:الحوار العمومي، وحين نتعلم الحوار العمومي نكون وصلنا إلى بر الأمان، لأن الإنسان بطبعه كائن حواري.مشكلة التعليم أنه انقسم إلى قسمين: أسئلة، وأجوبة، ومن ثم يغلق الذهن، وحين يكون الإنسان محصورا بين سؤال محدد وجواب مغلق لا يمكن الشك به أو الحفر فيه، أو مساءلته، نكون قد ارتكبنا جرما خطيرا ذلك أن هذا الفعل التعليمي ينشئ جيلا مغلقا لا يمكنه أن يتعلم التجاوز بين المسافات أو الاقتراب من الممنوعات. الحوار ليس تسجيل نقاط ضد الآخر، بل أقرب ما يكون إلى العقلية التفاوضية أو المونولوج العلمي، ليس شرطا أن ينتهي بالخطأ على طرف ضد الآخر، ولا أن يمتد ليكون تسجيلا لجريمة أو قبضا على الطرف الآخر وهو متلبس بفكرة! ثمة سجال يدور الآن حول التلفزيون السعودي اشتعل على ثلاث مراحل، أولها: حوار قناة روتانا مع رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الأستاذ عبدالرحمن الهزاع، والثانية: حصول mbc على حقوق نقل البطولات السعودية، واشتعلت ثالثا: عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حين كتب بعض الزملاء ومنهم الأستاذ أحمد عدنان بشكل لافت وذكي ناقدا التلفزيون السعودي وأدائه. أحسب أن النقاش هذا بحد ذاته وموضوعه حيوي ومثمر، فالتلفزيون ملك المجتمع ومن حق الجميع أن يطرحوا طموحاتهم وآرائهم، لكن ضمن أسلوب الحوار الذي أشرت إليه، وهو النقاش العمومي التفاوضي، إذ نكسب المتعة والفائدة من متابعة الحوار والسجال أكثر مما نكسب التأزم والتأزيم!. نقلا عن عكاظ