هل يكفي أن يتصدى لها العلماء وأرباب الفكر، وقادة الرأي في الإعلام؟، هل يكفي أن نبين مخاطر هذه الآفة القاتلة على منابر المساجد؟، هل يكفي أن نضع لها برنامجا توعويا داخل الصفوف في المدارس؟. لقد تحملت القيادة الحكيمة كامل مسؤولياتها، وتصدى رجل المواقف والحسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -أيده الله- لهذه القضية بعدما أدرك بحكمته وبعد نظره ما آل إليه العالم اليوم وفي أكثر من مكان نتيجة القلاقل والفتن وتخاطف الثورات من مآس دامية، وأحداث مفزعة تنذر بتفكك الأنظمة والمجتمعات، فبادر سريعا لتجديد دعوته التي أطلقها يحفظه الله منذ أكثر من عشر سنوات لدعوة العالم للوقوف صفا واحدا في مواجهة هذه المخاطر، بعدما عصف الإرهاب ببعض دول الإقليم، مطالبا الجميع بالتصدي لمسؤولياته كل من موقعه، حماية للسلم العالمي، ودرءا لتلك الفتن التي لو تركت لما بقي هنالك أحد بمنأى عنها وعن تبعاتها، وهي الدعوة التي لقيت الكثير من التأييد والترحيب، منها توجه الأزهر الشريف بتكريم هذا الزعيم الاستثنائي بدرجة الدكتوراة الفخرية نتيجة لجهوده العظيمة في تكريس السلام، وصيانة أمن الشعوب والمجتمعات من أوضار الإرهاب. وإذا ما كان خادم الحرمين قد طالب الجميع بتحمل مسؤولياته، فإن مقتضيات المرحلة، ومعطيات الواقع تستدعي منا تحديدا، وبحكم أننا في عين الاستهداف، وهذا لم يعد خافيا على أحد، أن يكون لدينا منهج واضح ومدروس بعناية لمواجهة هذه المخاطر، فالمقالات والعظات والنشرات التوعوية لا تكفي وحدها مهما كان أثرها لمواجهة مشروع بمثل هذه الخطورة، مما يستدعي المزيد من الدراسات المعمقة لهذا الفكر الضال، وما نجم عنه من تنظيمات وفرق، وبالتالي إعداد آليات نافذة تستطيع أن تحول دون تغلغل هذا الفكر إلى عقول الناشئة، وتحميهم من ضلالاته، وهذا دور يجب أن تضطلع به الجامعات التي انتشرت الآن بفضل الله في كافة المناطق والمحافظات، مما يسهل عليها لو شاءت أن تقوم بدور فاعل في هذا الإطار، بحكم قربها من مجتمعاتها المحلية، وقدرتها على بناء الدراسات المستفيضة التي تحصن شباب الوطن، وتجعلهم بمنأى عن أي طريق يمكن اختطافهم فيه، أو تجنيدهم لصالح من يريدون بهم وبوطنهم السوء، وهذا يستلزم بالدرجة الأولى أن تخرج الجامعات من مبانيها الأكاديمية لتلتقي الشباب، وتخالطهم، وتشاركهم أفكارهم وتطلعاتهم، وتحاورهم، وليس بالضرورة أن تكتفي بدعوتهم إلى محاضرة هنا أو هناك، غالبا لا يرتادها سوى القلة القليلة من الناس، أيضا هنالك مسؤولية على الأوعية والأقنية الثقافية والإعلامية التي لا بد أن تقوم بدورها في توظيف العمل الفني للتوعية بمخاطر هذا الفكر الذي لم يعد بمقدور أحد أن يمنعه من التسلل؛ بحكم انتشار أدوات التواصل الاجتماعي، وذلك لبيان تهافت حججه، وادعاءاته الباطلة التي لا تجد أي غضاضة في استخدام كل ألوان وأنواع المحرضات، إما من خلال تسعير المشاعر المذهبية والطائفية، أو من خلال حملات التوهيم التي تصور كل ما يجري على أنه جزء من الجهاد، بغية اختطافهم، واستخدامهم كأدوات لمخططاتهم الإرهابية. نحن فعلا بحاجة إلى برنامج متكامل، ومتساوي الأضلاع للعمل معا في سياق واحد، لتجنيب بلادنا ومواطنينا هذه الفتن التي باتت تحيط بنا إحاطة السوار بالمعصم، وللحفاظ على استقرارنا وأمننا ورخائنا الذي نعرف أنه موضع حسد كل تلك القوى التي تبسط نفوذها بحجم ما تريقه من دماء الأبرياء.