في النهاية كلها تصب في مفهوم واحد جامع عريض يؤدي لزيادة الإيرادات؛ فأنت تستمتع بإرسال صورتك لأحدٍ له علاقة بك لدواعٍ عاطفية أو مهنية أو حتى إنسانية، فيما أطراف أخرى تهيئ كل السبل لتستفيد هي مادياً من كل ذلك. وليس في الأمر جديد، ولا حتى فيما يتعلق بتصوير «سلفي»، فكلنا يتذكر جهود شركات تصنيع الكاميرات وأفلام التصوير، بما فيها «لحظة كوداك»، بل ان فكرة «اللقطة» (snapshot) نبعت في الأساس من التصوير خارج الاستديو وبتلقائية وبعيدا عن الاحترافية وبأقل قدر ممكن من التَصَنع، بما ساهم في نشر اقتناء الكاميرات وانتشار هواية التصوير، وفي المحصلة تصاعد الإيرادات لمن أطلق المبادرة تجارياً. ما أكثر بهلوانيات التقنية الصينية الاستهلاكية وخصوصاً تلك المرتبطة بالجوال، لكن المنتج الأكثر انتشاراً هذه الأيام عصا سلفي! وهي عصا ليس فيها من العجب أو الغرابة شيء، سوى التقاط الصور لذواتنا؛ فالتقاط المرء صورةً لذاته تسمى «سلفي» من «سلف» بالإنجليزية أي نفس، أي نفسيّ أو لنفسيّ. وليس لدي اعتراض على ذلك، إذ أن «صرعة» سلفي استقطبت كل الناس؛ فأخذنا نرى صور «سلفي» لحكام ولوزراء وأثرياء ولاعبين ومخترعين وأكاديميين رصينين ووجهاء مخضرمين وأدباء وكتاب شيب وشباب ومن بلدان الدنيا كافة بما فيها منطقتنا العربية، بل أني قبل أيام شاهدت صورة «سلفي» جمعت عدداً من وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماعهم في جدة. وقصة عصا «سلفي» والترويج لها، ليست منفصلة بل متصلة بالتشجيع على أخذ صور «سلفي» أكثر اتقاناً؛ إذ أن بعضها تؤخذ من زوايا يستحيل للمخ البشري أن يعقلها! ثم أن رواج انتشار الصور سيعني مزيداً من استخدام شبكات الاتصالات، وبالتالي إيرادات نظير نقل البيانات عبر الشبكات، ولا يقل أهمية رواج تطبيقات التواصل الاجتماعي والمساحات الاعلانية فيها، فحالياً ما أن تستخدم تطبيقاً على هاتفك الذكي حتى تنبعث لك الدعايات من أسفل الشاشة وأعلاها. إذاً الأمور مترابطة، وفي النهاية فكلها تصب في مفهوم واحد جامع عريض يؤدي لزيادة الإيرادات؛ فأنت تستمتع بأن ترسل صورتك لأحدٍ له علاقة بك لدواعٍ عاطفية أو مهنية أو حتى إنسانية، فيما أطراف أخرى تستفيد مادياً من كل ذلك. وليس في الأمر جديد، ولا حتى فيما يتعلق بتصوير «سلفي»، فكلنا يتذكر جهود شركات تصنيع الكاميرات وأفلام التصوير، بما فيها «لحظة كوداك»، بل أن فكرة «اللقطة» (snapshot) نبعت في الأساس من التصوير خارج الاستديو وبتلقائية وبعيدا عن الاحترافية وبأقل قدر ممكن من التَصَنع، جهود كوداك تلك للتكسب من تأجيج العواطف والدفع للاحتفاظ باللحظة عبر توثيقها بصورة.. يزيد عن القرن من الزمن. وقد نجحت كوداك، فكلنا نحتفظ بلقطات، وجميعنا تجاوزنا محدودية «العكس» وهي صورة شخصية تطلب لاستيفاء متطلبات استخراج دفتر حفيظة النفوس أو جواز السفر أو التسجيل للمدرسة أو الجامعة. وعلى الرغم من كان يرى حرجاً في التقاط الصور وتعليقها، لكن الاحتفاظ بألبومات صور أصبح أمراً شائعاً منذ عقود، وحالياً تكاد جوالاتنا تتفجر مما حشي في ذاكرتها من صور. أعود لـ «سلفي» وهي الصور التي يلتقطها شخص لذاته بقصد نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل انستجرام أو فيسبوك أو تويتر أو سواها، لأقول إن حركة «سلفي» في طريقها لتصبح صناعة! نعم، صناعة. وما عليك إلا التمعن في الكيفية التي أصبح فيها استخدامات أخبارنا وحكاياتنا وأنشطتنا وسقطاتنا ونجاحاتنا وأطباق وجباتنا، كلها تنشر على تلك المواقع، لكننا مازلنا بعيدين عن التفكير التجاري بالأمر النابع من توفير الخدمة ضمن ضوابطنا الاجتماعية، رغم أننا من أكثر الشعوب تحفظاً عندما يتعلق الأمر بخصوصياتنا، ومع ذلك فقد دأبنا على الشكوى في انتظار ما سيأتينا من سلسلة صرعات «سلفي» وسلسلة التزويد والامداد والقيمة المرتبطة بها، لنتلقاها، أي لنستخدمها وبتوسع حتى نشعر أننا جزء من العالم غير عابئين أن يكون العالم جزءاً منا! وفي هذا السياق تحديداً، فلعل من المهم بيان، أننا نسمع بتواتر عن حالات ابتزاز لفتيات محورها أن صوراً لهن وقعت في يدِ مبتز ويسعى للتكسب غير الأخلاقي، وعادة ما يكون مصدر تلك الصور إما وقوع جوال الفتاة مباشرة في يد المبتز، أو وصوله لحساب الفتاة على أحد برامج التواصل الاجتماعي، أو أنها هي سمحت له -بصورة أو بأخرى- الاطلاع على تلك الصور إما عن سابق إدراك أو نتيجة لخداعها بتمويه شخصه باختبائه خلف مُعرّف يخفي حقيقة شخصيته. لكننا وعلى الرغم مما نتحدث به من حرصنا على خصوصياتنا نقع فريسة للتناقض، فنجد صورا فيها قدر هائل من الخصوصية «تتنطط» من موقع لآخر على النت! مؤخراً بدأت تظهر تطبيقات ترأف بحال خصوصيتنا، خذ مثلاً تطبيق «سنابشوت» للهواتف الذكية، ووظيفته الأساس أنه يتيح لك اختيار من تود اطلاعهم على صورة ممن هم على قائمة الاتصال لديك، ولمدة عشر ثوان فقط..ثم تتلاشى الصورة وكأنها سراب, لكن من منكم سيثق بـ«سنابشوت» ليتعهد خصوصياته ولو لعشر ثوانٍ قصيرة ؟!