بقلم : د. رشود الخريف لا شك أن البحث العلمي في الدول العربية عموما في حاجة إلى مزيد من الدعم ومزيد من الإبداع، وقبل ذلك في أمس الحاجة لإيجاد بيئة محفزة للتميز في البحث العلمي، سواء من حيث البنية التحتية أو الأنظمة واللوائح ونحوها، ومع ذلك فإن تعزيز ثقافة البحث العلمي يستغرق وقتا طويلاً وجهدا كبيرا ودعما مستمرا. ومن الجوانب الإيجابية أن معظم الجامعات السعودية قامت بإعداد استراتيجيات للبحث العلمي وتبنت برامج لدعمه ورفع جودته وتوجيهه لإيجاد الحلول للقضايا التنموية الوطنية. ولكن هذه الاستراتيجيات لا يمكن أن تكون فاعلة ومؤثرة ما لم تخضع للتقويم الدوري المستمر، الذي يعتمد على مؤشرات أداء محددة. إن النقد البناء ضرورة، ولكن ينبغي أن يعتمد على دراسات تقويمية لتحديد فاعلية الإنفاق على البحث العلمي وقياس مردوده على المجتمع. فمن المؤكد أن الأمور، التي تحد من الهدر- في أي مجال أو نشاط في مجال البحث العلمي وغيره هي وجود أنظمة تنظم العمل ووجود محاسبة، وكذلك مؤشرات أداء يمكن الاحتكام إليها. بعد هذه التوطئة، أقول إن التصريحات الصحفية التي نُشرت قبل أيام في إحدى الصحف المحلية من قبل أحد الزملاء الأكاديميين حول إهدار 90 في المائة من ميزانيات البحوث دون الاعتماد على نتائج دراسات علمية أو الاستناد إلى إحصاءات دقيقة يعد هذرلوجيا إعلامية غير مسؤولة، خاصة عندما يحدد نسبة كبيرة كهذه، وهو ربما لا يعرف- وهو المتخصص في الإحصاء حجم الإنفاق على البحث العلمي في الجامعة، التي يعمل فيها! وعلى افتراض أنه يعلم الإنفاق في جامعته وممارسات الهدر، فلا ينبغي تعميم ممارسة جامعة واحدة على الجامعات الأخرى ما لم يستند إلى نتائج دراسات أو إحصاءات موثوقة! ولعل هذا يقودنا إلى تناول معوقات البحث العلمي في الدول العربية ولو بإيجاز. في البداية يعاني البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية على وجه الخصوص ندرة البيانات وعدم تعاون بعض الجهات الحكومية التي تمتلك البيانات بحجة سريتها وصعوبة جعلها في متناول الباحثين، ما يعطل البحوث العلمية الأصيلة والإبداعية. أما في العلوم الطبيعية والصحية والهندسية، فإن قلة المختبرات الحديثة المزودة بكفاءات بشرية قادرة على استخدام الأجهزة بها والإفادة منها، يعد من أبرز المعوقات لإنجاز بحوث إبداعية. ويأتي بعد ذلك ضعف الدعم المادي عموما وفي بعض المجالات خصوصا، وكذلك عدم مواكبة الأنظمة واللوائح الخاصة بالصرف على الاحتياجات والمتطلبات المتجددة للبحث العلمي، وأخيرا قلة الكفاءات الوطنية في بعض المجالات العلمية التخصصية. وعودا لهدر الميزانيات، فإن البحث العلمي ليس استثناء كمجال أو نشاط، ولا يخلو من الهدر، ولكن لا يصل بأي حال من الأحوال إلى 90 في المائة، كما أشار الزميل الأكاديمي. لذلك لا ينبغي رمي الحجارة على مؤسساتنا العلمية جزافا. فهناك إنجازات كبيرة ينبغي أن تشكر عليها، سواء في المجالات الصحية أو العلمية والهندسية أو الإنسانية والاجتماعية، ومع ذلك فإن الطريق أمامنا في الدول العربية عموما والمملكة خصوصا لا يزال طويلا وشاقا ويتطلب المزيد من الجهود والدعم. وهناك حاجة لتطبيق مفهوم الحوكمة في البحث العلمي، وكذلك ضرورة إجراء دراسات تحدد مقدار الهدر في ميزانيات البحث العلمي وأيضا تقوم بقياس المردود الاجتماعي للبحوث العلمية، ومن الضروري منح الجامعات هامشا من الاستقلالية لتضع الأنظمة واللوائح الأنسب لها، وتستقطب الكفاءات المميزة التي تتناسب مع طبيعتها ومجالات تركيزها ومن ثم تحقق الإبداع في البحث العلمي، وكذلك في التعليم وخدمة المجتمع. نقلا عن الاقتصادية