من المصطلحات المكية المختصرة للمعاني قولهم إن فلانا نفسه طيبة أو أن يده زكية، ويأتي ذلك في مضمار التعليق على ما يقدم عادة في المناسبات الاجتماعية من موائد يدعى إليها الأهل والأقارب والأصدقاء، فإذا وجد الضيوف أن طعام مضيفهم طيبا سهل الهضم حتى لو كان ذلك الطعام بسيطا وغير متكلف قالوا عنه: إن نفسه طيبة وإن طباخه يده زكية، وذلك قمة المديح لمن استضافهم، ولذلك تراهم حريصين على إجابة دعوته في كل مرة يدعوهم على وليمة صغيرة أو كبيرة لاقتناعهم بالصفات الطيبة المتقدم ذكرها في صاحب الوليمة، أما الصورة المقابلة للصورة المذكورة فهي أن يقال عن بعض الناس إن مجالسهم ثقيلة وإن موائدهم أثقل وإن طعامهم لا يهضم حتى لو كان صاحب الوليمة قد أنفق عليها مالا كثيرا لأن نفسه غير طيبة حسب تعبير الذين طعموا من مائدته فيثقل هضمه على معداتهم وأمعائهم الدقيقة والغليظة، أو أن طباخه يده غير زكية، وما يقال فيه الكثير من الصحة والدقة فكم يشارك إنسان منا في موائد وحفلات ومناسبات ثم يظل يومين «مكتوما» من الطعام الذي أكله أو أنه ما إن يمد يده إلى المائدة العامرة، إلا ويجد أن شهيته قد اسندت ولم يعد لديه قابلية لتناول أي شيء مما أمامه من طعام فبماذا تفسرون هذه الحالة العارضة؟ إن أقرب تفسير يطرأ على الذهن هو أن صاحب الوليمة رجل بخيل في طبعه وإن تظاهر بالكرم بين جماعته وربعه، وإنه حاول ترجمة ذلك التظاهر بالكرم عن طريق إقامة مائدة حافلة حتى يقال عنه إنه كريم ولأنه ليس كذلك فإن قلبه يكاد يذوب من شدة اللوعة وهو يرى المعازيم «طايحين» في مائدته حتى يصفر وجهه ولكنه يبدي لهم فرحا وترحابا مزعومين قائلا لهم.. كلوا الله يحييكم.. بالعافية ولو صدق مع نفسه لقال لهم: بالسم الهاري!، أو أن يكون صاحب الوليمة قد أجبر على إقامة تلك المائدة إما مقابل حق معنوي خاص انتهى بالصلح أو مجاملة لرئيسه النهم الأكول الذي يقول له بمناسبة وبدون مناسبة: يا هو متى تعزمنا، فيضطر المسكين إلى توجيه الدعوة له ولمن يحب ثم يقتر على نفسه وولده حتى يجمع ثمن الوليمة المراد تقديمها لرئيسه «كباس الرز» أو أن يكون الطباخ الذي عهد إليه بإعداد طعام الوليمة رديء الطبع ذا عين يقدح بها أرتال اللحوم التي يعدها لأصحابها فيصبح الطعام الذي يعده ثقيلا ومؤذيا إلى غير ذلك من الصور التي تجعل الطعام مقبولا ولذيذا وسهل الهضم أو غير مقبول وصعب الهضم لا ينفع معه بيبسي ولا سفن!!