ارتدى سلوار كاميز الخاص به والمكون من سروال أسود فضفاض وقميص أفحم رحراح يصل لركبتيه (المصابة بالخشونة إثر الحرمان) ثم أنهى زيه القادم من بلاد السند بعمامة دهماء. راح يتطلع إلى ملامحه في المرآة الصغيرة التي ضجت بعيونه الغائرة ووجنتيه المشرفة وجبهته الناتئة ولحيته الكثة ورأسه الحليق. ملامح بسيطة لشاب في العشرينيات من عمره نجحت في إعادة تشكيل حقبة قديمة لتاريخ بائد سيؤدي إلى مستقبل داثر. ترك الهندسة وهجر والدته المسنة وطلق الدنيا كلها للجهاد في سبيل هوايته الجديدة. خرج من حجرته الصغيرة في ذلك المعسكر الريفي وشحن رئتيه بهواء النسيم العليل ثم التفت إلى مجموعة من الرجال الأشداء الذين ألقوا على وجوههم في الأرض وقيدت أيديهم إلى ظهورهم وقد غمرت أنوفهم في التراب من وطأة أقدام سجانيهم. ألقى بتحية الإسلام والسلام على رفاقه الذين جمعتهم الدنيا صدفة وستجمعهم الآخرة عنوة. استل سكينه الحاد وراح يعبث بها وهو يتطلع للجماهير التي بدأت بالتوافد لحضور حفلة الدم اليومية. بدأ دجالهم أو من يعرفونه باسم أميرهم المحكمة الميدانية للرجال الخمسة ثم ألقى بياناً مجلجلاً عدد فيه تهم الأسرى. خلص بسرعة إلى تنفيذ حد الحرابة بهم وصلبهم على الملأ وتوعد غيرهم بموت أقرب إليهم من حبل الوريد. بدأ صاحب العمامة الدهماء يلوح بسكينه الذي ضاق ذرعاً بطول البيان ونفسه تتوق لممارسة هوايته الجديدة التي أدمن. انتهى الأمير الدجال من تلاوة البيان المستهلك أمام كاميرا قديمة ثم انطلق صاحب العمامة الدهماء بلهفة صوب أحد الرجال الذي كان يعمل طبيباً وأمسكه من شعره وجز عنقه كما تُقطع الثمرة من شمراخ النخل. حمل الرأس المقطوع والدماء تتفجر منه بعنف ثم رفعه عالياً للحظات وسط تكبيرات الحضور فرحاً بالفتح العظيم. وضع الرأس المبتور فوق مؤخرة صاحبه إمعاناً في ممارسة أقصى درجات الإذلال والإهانة. أكمل رحلة قص الرؤوس من شابين في منتصف العمر إلى رجل كهل إلى مراهق لم يبلغ ومن مزارع إلى صياد إلى تاجر إلى طالب مرحلة متوسطة حتى اصطبغ وجهه بلون الدم الذي يعشق. ساعده قرناء الدنيا وخلان الآخرة في رفع الأجساد المنحورة فوق الصلبان الخشبية التي ضجت برائحة الموت وجلبت شيئاً من ريح جهنم ولهبها. راحوا يتقاذفون الرؤوس بأقدامهم في ملعب رملي وسكينة إبليس تغمر صدورهم السوداء وطمأنينة أبنائه تمرث قلوبهم الميتة. أكملوا يومهم برحلة صيد بشرية غنموا بها كثيراً من الرؤوس الطازجة التي لا يعرفون لها أسماء ولم يدونوا عليها ذنوباً عدا كون تلك الرؤوس لم تخضع لضلالهم الأزلي ولم تخنع لسطوتهم البائدة. عاد أحداث الأسنان سفهاء الأحلام إلى معسكرهم بعد مغيب الشمس وتفرقوا كلٌّ إلى مهجعه بانتظار يوم تبيض فيه وجوه وتسود وجوه. ذهب صاحب العمامة الدهماء إلى مهاده وقضى ليلته يحلم بحورية يؤمن بأنه دفع مهرها بالرؤوس المبتورة والأجساد المصلوبة والأمة المنكوبة. حورية لن يرى منها إلا ما سيراه جده الأغبر الذي خرج من ضئضئه أول كلاب النار.