×
محافظة المدينة المنورة

50 متدرب ومتدربة في دورة تقنيات تحفيز الموظفين في مجمع الامل للصحة النفسية بالمدينة‎

صورة الخبر

التربية والتعليم من ضرورات الحياة تحول الكائن البشري إلى إنسان كامل الوعي والإدراك، يستطيع تعبيد طرقه الوعرة وترك بصمته الزاهرة على الأرض المستخلف عليها ويتم هذا عن طريق (المدرسة) التي تربي النشء التربية الصحيحة وتزرع الأفكار الإسلامية الحميدة التي أساسها اليسر والوسطية وحب الخير للآخرين والتعايش معهم في أمن وسلام بعيدا عن الفرقة والانقسام. فالمدرسة تمثل شاهدا عظيما على إيمان الفرد بقدرته وانخراطه الصحيح في المجتمع عن طريق ما تقدمه المدرسة والقائمون عليها والمناهج التي يتعلمها الطالب، بما فيها من سعادة وخير ونقل معناها الإنساني ومحتواها الإيجابي إليه بتوجيهه وتدريسه (صح) من أجل حياة أفضل له ولمجتمعه. عندما بدأ رسول الله عليه الصلاة والسلام في دار الأرقم كأول مدرسة في الإسلام علم صحابته مبادىء هذا الدين والأسس التي يقوم عليها من محبة وخير وسلام وتعايش، حرم منها طالب اليوم الذي يتلقى تعليمه ومناهجه على ثقافة دعوية بحتة تمنعه من أن يزاوج بين الواجب والواقع. ففي بداية توحيد هذا الكيان على يد مؤسسه رحمه الله واجه فتاوى تحرم دراسة الرسم والجغرافيا والجبر والإنجليزي واعتبر أن تدريس هذه المواد فيه تشويش على عقائد الناس، ورغم تغير الزمان وتضخم المملكة وتخطيها فواصل التاريخ وحدود الجغرافيا وتأثيرها كقوى تملك المكانة الدينية العميقة والنفوذ السياسي الضارب والثقل المالي الداعم إلا أن هناك عقبات تقف بالمرصاد لعملية التربية والتعليم أهمها أن المناهج لازالت مشحونة بأسس خطاب الصحوة الخارج من رحم الإخوان بكل تناقضاته وعنفه وكرهه للحياة. ولازال هناك من المعلمين من يعيش في وهم الصحوة لم يخرج من عباءتها المظلمة بعد، ولازال هناك من يزاول المنهج الخفي الذي هتك أستاره سمو وزير التربية والتعليم. نحتاج إلى ضرورة انتشال أبناء الوطن مما لحق بهم من سخام الصحوة والجهاد المتفلت وتكفير المخالف والاختلاف على مسائل الفروع وتحكيم الرأي الواحد وما حشر في المناهج. سنوات ونحن في غفلة مختطفين كما أعلنها الفيصل فهناك من يمارس على أبنائنا ايديولوجيته الخاصة وفق أجندته التي تملي عليه بكرة وأصيلا. تناقض بين المنهج والواقع يعيشه الطالب، ولنأخذ مثلا تعليم الرسم والفنون كمادة في المنهج يحرمها مدرس التوحيد وأن من يرسم هو أشد الناس عذابا يوم القيامة، والضحية الطالب الذي لا يعرف يصدق مدرسه في الرسم أم معلمه التوحيد. كما أن الطالب يصدم بمن يحرم كرة القدم وفي مدرسته يعاقب إن لم يمارسها. مفاهيم فضفاضة للولاء والبراء ودار الحرب والردة والفرقة الناجية رغم أنه مشكوك مطعون في حديثها، دفعنا ثمنا باهظا لكل هذا وتحتاج المرحلة إلى إعادة نظر في مناهجنا وتعليمنا بعيدا عن مسائل الخلاف والتركيز على ثوابت هذا الدين ومرتكزاته الأساسية وتعاليمه السامقة في لا تنس نصيبك من الدنيا وحب الوطن ومكتسباته وتحية العلم وطاعة ولي الأمر والحث على العمل والتعامل مع المخالف وحفظ الأمن، وأن هناك حرمة وعصمة لأموال الناس ودمائهم وأعراضهم، وأن المرأة لا تلعن كونها نمصت حاجبها أو سافرت لتتعلم أو تعمل، وأن المسألة الواحدة فيها عدة أقوال حسب تفاوت الصحابة في الفهم والإدراك والحفظ والنسيان وفي القرب من رسول الله أو البعد عنه وتفرق الصحابة في الأمصار، فكانت المدرسة الفقهية في المدينة المنورة تختلف عن مدرسة الفقه في مكة المكرمة عنها في الكوفة والبصرة والشام والقيروان واليمن وبغداد. ولكل مدرسة رأيها في المسألة الواحدة فلا يجب أن نلزم الطالب بفقه مدرسة واحدة وأن أصحاب المدارس الأخرى لا قيمة لفكرهم ولا يؤخذ برأيهم ونجبره على حفظ فقه واحد قد لا يتوافق مع الواقع المحيط به فنخلق مجتمعا حائرا تائها يسوده التناقض وعدم الانسجام، يقول الشاطبي في الموافقات إن اختلاف العلماء رحمة واسعة وجائز لمن نظر في اختلافهم أن يأخذ بقول من شاء منهم ما لم يعلم أنه خطأ لخلافه نص الكتاب أو نص السنة والإجماع فإذا لم يبن له ذلك من هذه الوجوه جاز له استعمال قول أحدهم وإن لم يعلم صوابه من خطئه وذلك للتوسع في الأقوال وعدم التحجير على رأي واحد. إني لأشعر بالخجل من ذلك التناقض عندما أدرس ابني أن التصوير حرام وأن المصور يطلب منه يوم القيامة بخلق الروح في الصورة ونحن تحيط بنا كل أنواع الصور معلقة على حوائط بيوتنا، وأن من يسمع الموسيقى يصب في أذنه الانك وأهل بيته يشاهدون الأغاني وأن العروض المسرحية وحفلات المدرسة يجب أن تخلو من الموسيقى وكل فضائيات الدنيا تصاحب برامجها موسيقى وأن المرأة بيتها أفضل لها وأخته وأمه وكل نساء عائلته يعملن، وأن الكافر تؤخذ منه الجزية وأن التسعير حرام ووزارة التجارة تحدد الأسعار، يسألني ابني عن معاني الجهاد وكم حورية يضمها الشهيد وعن معنى رائحة المسك وأسئلة حائرة حشيت في المقررات فلابد أن تكون مناهجنا حاضنة لسماحة الإسلام ونشر الوسطية والاعتدال. نحتاج إلى وقفة رجل واحد لتجديد لغة الخطاب وبلورة رؤية تعليمية جديدة تتناسب والتحولات القائمة من حولنا.