يشتكي كثيرون من الغلاء في أسعار المواد الغذائية، ويقارنونها بأسعار سابقة، كما زاد التذمر من ارتفاع إيجارات المساكن وصعوبة الحصول على أرض سكنية بسعر مناسب للبناء عليها حسب المواصفات. والحق أن زيادة عدد السكان وتضاعف أعدادهم منذ ثلاثين سنة هو السبب الرئيس لارتفاع كافة الأسعار سواء السكن أو السيارات أو المواد الغذائية وحتى الكماليات. ومع صعوبة المقارنة من حيث الأهمية بين الغذاء والأمن كونهما متلازمين لحياة البشرية ومن مقومات استقرارها؛ إلا أن الأمن يسبق الغذاء والثمرات بمراحل، وهو غير مشروط بالإيمان مصداقاً لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (126) سورة البقرة. وأمن الوطن نوعان خارجي يدفع بالعتاد والقوات العسكرية، وداخلي يجلب بإقامة العدل بين الناس؛ فهو حينئذ عظيم والمحافظة عليه أعظم. ولعل الجيل الحالي في مملكتنا الآمنة يجهل أهمية الأمن في حياة الناس واستقرارهم لأنه لم يعان - ولله الحمد - من ويلات الحروب وفواجع الغزو، لذا فهو لا يُلقي بالا لهذه النعمة العظيمة وقد يستهتر بها ولا يقيم لها وزناً! والحقيقة أنه لولا نعمة الأمن - من فضل الله - لما استمتعنا بالخيرات والثمرات، ولما وصلت السفن المحملة بجميع أصناف المأكولات والمشروبات من كل حدب وصوب إلى موانئنا المائية والجافة! ومن شاهد صور مطار تل أبيب في إسرائيل وخلوه من المسافرين والبضائع أثناء إرسال حماس لصواريخ بدائية الصنع على المستوطنين؛ يدرك أهمية الأمن، برغم مساندة الدول الكبرى ووقوفها مع دولة إسرائيل المحتلة لجزء عزيز من البلاد العربية! ويخطئ من يعتقد أن مسؤولية الأمن وإرساءه مناطة بالحكومة فحسب، والواقع أنها مسؤولية مشتركة بينها وبين المواطنين، ولا يمكن أن تنفرد الحكومة لوحدها دون وقوف الشعب ومساندتهم بالتبليغ عن أي شخص أو مجموعة قد تخل بالأمن أو تعبث به، كما لا تلام الحكومة من نهج الصرامة ووقف أشكال الفوضى الفكرية وتسييس الدين وإثارة البلبلة. وقد وعد الله المؤمنين في بلاد الحرمين الشريفين بالأمن، وصور لنا حالة الخوف في دول حولها ومتاخمة لها حيث يقول عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} (67) سورة العنكبوت، الحمد لله على نعمة الأمن والاستقرار وطيب العيش، جعلنا الله من الممتنين والشاكرين.