×
محافظة المنطقة الشرقية

مؤسسة النقد مطالبة بالضغط على المصارف في فوائد القروض

صورة الخبر

في البدء كانت النجومية محصورة في بابين اثنين الرياضة والغناء. نجوم الرياضة كانوا "كالشهب سريعة التألق سريعة الاحتراق"، تبعا لظروف اللياقة البدنية، وظروف الإصابة وما إلى ذلك، إلا انها مع هذا كانت تأخذ حقها في النجومية بأكثر مما يزيد عن أدائها قبل أن تُنسى وتُركن على الرف، في حين أن نجوم الغناء كانوا أوفر حظا، أو على الأقل بعضهم، لأنهم خارج حسابات اللياقة والإصابة طالما أنهم قادرون على اجتذاب الأسماع أو بعضها. في مرحلة تالية دخل الشعراء الشعبيون على الخط، فنالوا حظهم من الشهرة، وتسابقت الفضائيات، وبرامج الترفيه السياحي للترويج لهم واستثمار نجوميتهم للكسب المادي، وتدافع الموهوبون وغير الموهوبين من الأنصاف والأرباع إلى تلك الساحة التي اكتظت حد الاختناق، ولأن النجومية تشبه بشكل أو بآخر ملح الطعام، بحيث إن أي زيادة في مقاديره من شأنها أن تفسد الطبخة، فقد أصبح تكاثر النجوم في هذه الساحة سبباً لأن يطفئ بعضها بعضاً ليحتل مكانه في الأضواء. وحتى تلك اللحظة لم تكن هنالك معايير أو ضوابط لتوظيف هذه النجوميات لأي غرض آخر غير التربح، إلى أن دخلت شركات الاتصالات سوق النجومية من أوسع أبوابه، فاخترعت ترويج النكت والطرائف، ثم تبريكات الجمع، ورأس السنة الهجرية والميلادية لتصنع معادلاً جديداً لعمليات التكسب، لجرّ الجمهور إليها لذات الدافع، ونتيجة لانفتاح السوق على مصراعيه، اخترعت مجددا نجومية الوعاظ، وفتحت لهم القنوات الخاصة. "أرسل الرقم كذا لتحصل على أدعية.. على نغمة دعوية.. على موعظة"، بعد أن وجدت في سوق الجوالات الدجاجة التي تبيض ذهباً، والتي ظنها البعض مجرد تعبير مجازي، إلى أن تحولت إلى حقيقة أسطع من ضوء الشمس، وأصبحت أسواق الجوالات في كل المدن والبلدات أكبر من أسواق الغذاء. قبل هذا لم يكن أسوأ المتشائمين يعتقد ولو لوهلة واحدة أن يكون هنالك من يستطيع أن يتجرّأ على بيع الموعظة أو الاستثمار المالي في أي شيء له صلة بالدين، غير أن طغيان النجومية واستشرائها حال دون مناقشة هذه القضية، أو أنه غطاها عن الأعين، وسحبها تماما من فوق طاولة النقاش. هذا الواقع كان لا بد وأن تكون له ضريبة واجبة الدفع، وهي أن تتشكل مجموعات مختلفة من دوائر المريدين هنا وهناك، وبنفس آليات ومنطق النجوميات الأخرى، التي تبقى على أتم الاستعداد للدفاع عن نجمها المفضل، وحتى عن أخطائه، لو حدثت، وفق نسق وطبيعة سيكيلوجية عقلية الجماهير، وبنفس الطريقة التي تحدث في الملاعب والمدرجات، لأن طبيعة مغناطيس النجومية تبقى واحدة وإن اختلفت أدوارها، وهذه الآلية التي افتقدت لضوابط الصوابية، والبحث عن قيم الحقيقة، أفضتْ بالنتيجة إلى دق أسفين الريبة بين أتباع هذه النجوم، لترسخ أكثر فأكثر مبدأ "إن لم تكن معي فأنت ضدي"، ولتجعل الجمهور يصم أذنيه تماما عن أي مصدر آخر غير المصدر الذي مثّل في ضميره أعلى قيم المثالية، وهذه أسوأ معايير النجومية، لأنها تتعامل مع حجم حضور النجم في أذهان متابعيه، أكثر مما تتعامل مع قيمة منتجه الفكري والثقافي، لتحجب الأوزان الأخرى التي يُفترض أن يتم تثمين ما يطرحه بها، وهي وإن كانت أدنى ضررا في النجوميات الرياضية والفنية، لأن ارتباطاتها تقف عند حد الإعجاب بالمهارة والموهبة ورؤية كل فرد إليها، فإن استخدامها بنفس المعيار مع هذا النوع الجديد من النجومية، ليس من شأنه فقط أن يُبدد أو يُجزّئ الحقيقة، وإنما قد يؤطرها بما لا يُتيح أي مجال للنقاش أو تقبل الرأي الآخر، وهذه هي المعضلة.