×
محافظة الحدود الشمالية

تعزيز منظومة الكهرباء في الشمال بعقد جديد

صورة الخبر

زمن طويل مرَ على العـروض الأولى لمسلسل «ليالي الحلمية»، ذلك العمل الملحمــي الكبيــر للراحل أسامة أنور عكاشة. مرّ زمن جرت خلاله مياه كثيرة في نهر الدراما العربية كانت حصيلتها هذا التطور الكبير في المجالات كلها. اليوم وإذ صار هذا العمل من الكلاسيكيات الفنية المرموقة في الذاكرة العربية، مع كل إيجابياته المدهشة، نظلُ نعتقد أن أبرز ما جاء به «ليالي الحلمية» هو بالتأكيد بنائيته الدرامية التي جاءت لأول مرة بمواصفات مكتملة لما يطلق عليه «الرواية التلفزيونية». قبل ذلك كانت الأعمال الدرامية تكتفي بالحكاية وسردياتها وما تحتمله دون أن تغامر برواية تلفزيونية تستجيب لشروط الرواية في بنائيتها وشخوصها، بل أيضاً في علاقتها وتعاملها مع الزمن. وأتحدث هنا عن دراما تتوغل في شقوق الزمن باعتباره حاضنة أحداث واقعية، وباعتباره كذلك مناخات اجتماعية يمكن من خلالها رصد الفئات الاجتماعية وملاحظة تطورها، ناهيك عن وعيها وخطابها الفكري والسياسي والثقافي. ونعرف أن أسامة أنور عكاشة جاء إلى الدراما أصلاً من الرواية والقصة القصيرة في ذلك الحين. ويمكننا ان نقول ان ذلك له مغزاه الذي لا يخفى إذ منحته تلك التجربة القدرة على تقديم قراءات درامية عميقة نجح خلالها في القبض بفنيات عالية على شقي عمله ونعني من ناحية، التاريخ الواقعي الحقيقي، ومن الناحية الأخرى، المتخيل الذي هو أولاً وأخيراً من حق الكاتب ومن جوهر عمله وفنه. هي تجربة كان الراحل قد بدأها قبل ذلك في عدد من أعماله لعلَ أبرزها «الشهد والدموع»، ولكنها أخذت مع «ليالي الحلمية» طابعاً مختلفاً، أو إذا شئنا الدقة، طابعاً أكثر اكتمالاً ووضوحاً إذ جاءت أكثر نضجاً واستحقت بالتالي وما إن تفاعل الجمهور العريض معها، بحق أن تكون تجربة رائدة عربياً. من يعود اليوم لمشاهدة «ليالي الحلمية» بأجزائه الخمسة سيلاحظ بالتأكيد التطور الهائل الذي شهدته الدراما العربية بعده، لكن ذلك لا ينفي ما نقول بل هو يؤكده. فالريادة هنا تعني أن «ليالي الحلمية» وضع البداية الحقيقية التي انطلقت بعد ذلك واستفادت من فورة إنتاجية كبرى شهدناها مع انتشار البث الفضائي العربي الذي عزَز الدراما ومكَنها من أن تتحوَل إلى صناعة فنية وأحياناً إبداعية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو ما ساهم في غنى هذه الدراما وتنوعها وإطلاقها للبحث عن آفاق جديدة لم تكن ترتادها من قبل، بل وحتى تطوير أساليب عملها والبحث في صورة مستمرة عن وجوه جديدة.