تعيش منطقتنا العربية مراحل مدروسة من: الفتن، والأزمات، والحروب، والمؤامرات عالية الوتيرة في الخفاء والعلن، وليست الحال بأحسن من مراحل سابقة، ونحن في بلادنا جزء من المنطقة نتلظى حقيقة ـ بشتى الطرق ـ لهيبها وصداها، وأيدينا على قلوبنا، وألسنتنا تلهج للعلي القدير أن يفرج كربات أوطاننا العربية، ويحمي بلادنا، ونحاول البذل والعطاء على كافة المستويات؛ حتى نبقى في عالم السلام والأمان.. وندرأ عن أنفسنا الفتن المحتملة. ومهما قدمت وبذلت بلادنا مؤسسات وأفرادا، في سبيل الحياة الآمنة للشعوب المبتلاة بالأزمات، تبقى مقصرة في نظر الكثير، وتبقى محط أنظار سلبية، لا سيما من وجهة النظر الإعلامية، ولا يخفى على المتابع الصفعات الإعلامية العابرة لكل الأخلاقيات باتجاه وطنا؛ للنيل من استقراره وأمنه، من جهات وأفراد دأبوا على بث سموم الفتن بشتى الطرق، خاصة الإعلام بكل وسائله، وكأن الحياة الآمنة التي تتمتع بها بلادنا شر وهلاك للمغتاظين. تلك الهجمات الإعلامية تستهدف تغيير النسق الفكري، وهدم الإنجازات، ويمعنون في النيل منها، فيدعون بأن وطننا وطن يسوده الذعر والخوف. هذا الوطن الذي نهض من الصفر على يد المؤسس ـ يرحمه الله ـ وواصل مسيرته التنموية منفتحا على العالم الجديد، بما يخدم مواطنيه، مع تمسكه بالدين، ثم العادات والتقاليد، يعيش المواطن والمقيم بين جنباته آمنا مطمئنا، وما يجري على ألسنة البعض من إساءة في الداخل والخارج من منع الحريات، وأن كل شيء ممنوع، يخالف الواقع. بلادنا منفتحة على كل المستجدات، وتحفز عليها منذ التأسيس الرسمي لهذه البلاد إلى نهاية العمر، فهي تدعو إلى النقد البناء الذي يبحث في منفعة الوطن والمواطن، ويبرز الثغرات التي تحتاج إلى ترميم وإصلاح، وهذا أحد عوامل التطوير وهو طبيعي؛ لأن كل شخص لا يرى الوضع من منظوره، يحتاج إلى النقد والتشاور؛ ليصلح ما هو غير منظور بنظره، وهكذا نصلح الخلل بالطرق السليمة، ونسكت الجاهل بأحوال البلاد، ممن "يتفلسف" وهو أعمى بالعلم، وكل مواطن يدرك أن بلادنا تحتاج إلى قوانين إصلاح عالية الأداء تفرض عملها على من يمثلون السلطة والقضاء، مثلا على الشرطي المقصر ورجل المرور المتخاذل عن عمله والقاضي.. ومن يتكاسل ويتعالى عن خدمة المواطنين، أو يذلهم ويهين كرامتهم، بينما أساس عمله خدمة المواطن والمقيم، من خلال الخدمات التي وفرتها له الدولة لهذه الوظيفة. والدولة ترحب بالإصلاح والتغيير، وبيان الفساد في كل المجالات، لكن النقد الذي يقع تحت نظرية المؤامرات والتجريح والتأثير السلبي لإضعاف الشأن الداخلي لن تقبل به، فهو تقويض يحاك في الخفاء لتغيير فكرها ومعتقداتها، التي ارتكزت عليها منذ مرحلة التأسيس الأولى. نحن نمتلك وطنا ليس كالأوطان، وندرك مع قيادتنا حجم الفتن التي تحاك ضده. أحيانا يرسل بعض المفكرين تنبيهات فيها كثير من الغمز واللمز بقصد أو دونه. هل مثل هذا الصوت يحمل للمملكة الخير أو المحبة؟! مثل هذا الصوت يزعجه أن يعترف بقوة الجبهة الداخلية والاستعداد التام للحفاظ على منجزاتنا، ويأبى أن يعترف أن المملكة تحقق نجاحات للتنمية، وتحقق الرفاهية لأبنائها، وأن ما يحدث من بلبلة يتشدق بها الحساد، ما هي إلا سحابة صيف وتنجلي، وقد أكد خادم الحرمين ـ حفظه الله ـ تكرارا هذه الحال، حين يقول: "بلدكم محسودة". وهناك أفراد ـ مع الأسف ـ لا يربطهم بهذه الأرض سوى الرزق والعيش الهنيء، وهم بينهم وبين أنفسهم ساخطون غاضبون متذمرون لا يعجبهم العجب.. يهاجرون ثم يعودون بخفي حنين، لكن هل مثل هؤلاء عند الشدائد يثبتون؟! أشك في ذلك، لكنهم قلة خاصة ممن تتأمل فيهم المملكة أنهم أحد ركائزها. المملكة وطن شامخ بقيادته الرشيدة. منذ التأسيس "1157هـ"، نهض من لا شيء، فأسس بأهله المخلصين دولة فتية في الدرعية، وأنشئت العديد من المؤسسات والنظم الإدارية، وحتى اليوم، نفتخر بالانتماء إليها، إذ أدارت مسيرة التنمية والنهضة وفق خططها المنهجية. بقي أن نقول: إن بعض الأقلام المدافعة عن وطننا تأخذها الحماسة في الدفاع عنه إلى التجريح فيه، وفي بعض رموزه بحجة موضة "رفض تقديس الأفراد"، ومع صدق النية، إلا أن أسلوب التجريح والتشويه يضر بلادنا أكثر مما يفيدها، ويسمح بفتح ثغرة للمتربص للهجوم الإعلامي عليها، فلنواجهه بنفس آلته. بقيت فكرة صغيرة: أتمنى على كل مواطن منا أن يطرحها على ذاته قبل أن يسأل عما قدمته بلاده له ـ وهو كثير ـ أن نسال أنفسنا ماذا قدمنا نحن لبلادنا؟!