أصبح مشروع إيران في انكفاء وليس في تقدم. فهي غارقة في أزمات اقتصادية كبيرة، ومعطوفة على أزمة سياسية، عنوانها الأبرز تسلط الولي الفقيه بالكامل على كافة سلطات الدولة. إيران هذه، وفي خضم الحرب ضد العراق سابقاً والسعودية لاحقاً، خلقت أذرعاً سياسية لها، بلبوس طائفي، في كل من لبنان والعراق واليمن بصفة خاصة، ولم تستطع التمدد في البحرين والسعودية، وفشلت في سورية وظلّت علاقتُها مع النظام وليس مع الشعب، وكذلك في بقية الدول العربية. فنجاحها في تلك الدول عائد إلى تواجد طائفة شيعية كبيرة، وتعاني مظالم سياسية قديمة. نجاحها لا يسمح لها بالتسلط على الدولة التي تتواجد فيها، ففي لبنان بقي حزب الله حزباً مرفوضاً خارج كتلة كبيرة من الشيعة، وليس بمقدوره التوسع أكثر، وجاء توريطه بأمر إيراني في سورية ضد الشعب ليضيّق الخناق عليه أكثر فأكثر. وفي العراق الأحزابُ الشيعية الموالية لإيران، تبين أنها فاسدة وليست أهلاً لقيادة الدولة، وكان فشلها كبيراً حالما اندلعت الثورة العراقية. في اليمن لا يستطيع الحوثيون التوسع كثيراً، وسينكفئون إلى صعدة لا محالة؛ ففي المجتمع توازن شعبي- ديني يمنع التوسع، وهناك دولة ترفض التسلط عليها من حزب طائفي، وهذا يتم في كل من لبنان واليمن، وبالتالي اندلعت الثورات والاحتجاجات، وهي في وجه منها رفضٌ للنظام القائم ولمحاولة الاستئثار الطائفي. مشكلة إيران كامنة في أنها لا تستطيع التمدد في المنطقة كثيراً، فهي ليست بدولة عظمى، وتقدم نفسها وفق حجتين مرفوضتين، أي العرق الفارسي والمذهب الشيعي، وسوى ذلك، ليس من شيء يعتد به. التجارة والصناعة والسياحة ليست بشيء يذكر، البضاعة الإيرانية هذه لا تلقى هوىً إلا في بيئات محدودة، شيعة العراق لا يتقبلونها وهم بعداء معها، شيعة البحرين ليسوا قابلين أن يكونوا أداة سياسية بيدها، وكذلك شيعة السعودية. الحوثيون في حال توافرت شروط سياسية جيدة يمكن أن يكونوا ضمن العملية السياسية. في لبنان أقصى إمكانات حزب الله خطب نارية يطلقها حسن الله، ويسارع اللبنانيون إلى الرد عليها باستهزاء مميّز. أي انه محصور ضمن جزء من شيعة لبنان. في العراق، وكما تبين الوقائع اليومية للحرب، أن الأطراف الشيعية الأخرى باستثناء المالكي أصبحت تقر بفشل الاستئثار السابق، وراحت تبحث عن حل سياسي للأزمات، وصيرورة الوقائع تشير الى أنها ذاهبة نحو حل يزيح الهيمنة الإيرانية والوصول إلى علاقة ندية مع إيران. قوة إيران الرئيسية الآن في سورية، فالنظام السوري هو الحليف القديم والقوي في المنطقة، وبالتالي لا يمكن إيران أن تتخلى عن سورية، فسورية منطقة عبور نحو حزب الله، وهي دولة كبرى، ولها نفوذ إقليمي واسع، وبالتالي خسارتها ستكون مشكلة كبيرة. الأحداث في سورية وتطورها في العراق تشير الى أن سلطة الأنظمة هي نحو الانحسار وربما السقوط، وأن النظام بسورية لن يصمد طويلاً، وهو، وبسبب الأحداث، تراجعت سلطته كثيراً، وقد احتاج للدعم الإيراني المباشر والعراقي كذلك. ولكن كل ذلك توقف الآن، والثورة العراقية لديها موقف جيد ضد النظام السوري، الذي تورط بضربات جوية في العراق، وبالتالي سيكون كل انحسار للنظام في العراق انحساراً للنظام في سورية، وهذا سيفتح المجال على تضييق الخناق على «حزب الله» في سورية ولبنان كذلك، وربما في إيران أيضاً. دينامية الأحداث في سورية والعراق سترخي بثقلها على إيران لا محالة، وهذا ربما السبب الرئيسي في دعمها لكلا النظامين، وسبب لتحالفهما مع بعضها في البلدين، وبإشراف إيراني. نقطة أخرى هل لدى إيران سياسة أخرى للمنطقة؟! طبعاً لا يوجد، وبالتالي إيران بطريقها إلى الانحسار وليس التمدد كما يشير بعض المحللين، وسيخفق الهلال الشيعي. في كل الأحوال، وحتى في حال استطاعت الأنظمة الصمود في كل من سورية والعراق، فإنها لن تستطيع العودة إلى ما قبل 2011. إذاً في إطار المحاور الإقليمية لن يكون نجم الهلال الشيعي صاعداً. الثورات لديها أزماتها من دون شك، ولكنها لن تنهار، وأسوأ ما يمكن أن تحققه تشكيل أنظمة جديدة في سورية والعراق، تأخذ بالحسبان مصالح الفئات المهمشة من الشعب، وينطبق الأمر ذاته في لبنان واليمن والبحرين كذلك.