يقول الله عز وجل " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " (البقرة – آية 185). يتزامن حلول رمضان الخير والبركة لهذه السنة مع دخول موسم القيظ وارتفاع الحرارة وغليان الأسعار فقد سجلت مكة المكرمة أعلى درجات حرارة منتصف اليوم والتي بلغت درجة الحرارة العظمى 50 درجة مئوية في الظل، وعلى ارتفاع مترين من سطح الأرض ولمدة أقل من ساعة خلال فترة الظهيرة ما بين الساعة الثانية عشرة ظهراً والساعة الثانية بعد الظهر هذا ونحن في بداية الشهر الكريم، ومن المتوقع– والله أعلم - أن نشهد هذا الارتفاع مجدداً في العشر الأواخر من الشهر على منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة وشمال وجنوب المنطقة الشرقية، في حين من المتوقع أن تتراوح درجات الحرارة العظمى ما بين 43 إلى 45 درجة مئوية خلال باقي أيام الشهر حسب توقعات الرئاسة العامة للأرصاد و حماية البيئة. قبل 6 أشهر خضع أبو صالح - الذي كنت قد كتبت عن قصته فيما مضى - لعملية استئصال ورم من مستقيمه وعملنا له فغارة معوية جانبية أو ما يعرف بعملية الكيس. وقد حضر أبو صالح في عيادتي لمراجعته الدورية وكان أول ما لاحظت على أبي صالح أنه متعب ومنهك، يشعر بالضعف والكسل مع الخمول ورغبةً في النعاس وتبدو عليه علامات الجفاف وفقدان كم لا بأس به من السوائل. فقد كان جاف الفم، يعاني من خفقانٍ في قلبه مع صداع برأسه ولم يكن قادراً على التركيز معي طيلة فترة مكوثه في عيادتي. هنا تيقنت أن أبا صالح يعاني من جفافٍ متوسط الشدة وأنه لابد من إدخاله للمستشفى للاطمئنان على وظائف جسده الحيوية المختلفة لكل من القلب والكبد والكليتين. أرى أن الفضول بدا يتملكك أخي القارئ فأنت تريد أن تعرف كيف أُصيب الطيب أبي صالح بالجفاف وما علاقة رمضان والحر في مقدمة المقال بمفاغرة (كيس) أبي صالح؟!!.. دعني عزيزي القارئ أمهد لك قليلا قبل الحديث عن حالة أبي صالح. يعد الماء عنصراً مهماً في الجسم، حيث إن 75 % من وزن أجسامنا هو من الماء والحفاظ على رطوبة الجسم تعد أمراً في غاية الأهمية. ويحدث الجفاف عندما يكون الماء الخارج من الجسم أكثر من الداخل. ويخرج الماء من الجسم بآليات عديدة، منها التعرق والتبول وخروج البراز وحتى التنفس. أما المفاغرة المعوية فهي عبارة عن فتحة من الأمعاء الدقيقة على جدار البطن. يتم عمل المفاغرة المعوية عند إزالة جزء أوكامل القولون بسبب الإصابة بمرض السرطان أوالتهابات الأمعاء المزمنة (مثل التهاب القولون التقرحي أومرض كرونز) والتي قد تكون مفاغرة دائمة إذا تم إزالة المستقيم وفتحة الشرج. وفي بعض الأحيان قد تكون المفاغرة مؤقتة عند إزالة جزء من القولون أوكامل القولون والمستقيم وذلك لحماية الجزء الموصل من الأمعاء أو لحماية المستقيم الجديد ومن ثم قد يتم إغلاق المفاغرة بعد ذلك. يحتوي البراز الناتج عن المفاغرة المعوية على كمية كبيرة من الماء والأملاح أكثر من الطبيعي الأمر الذي يزيد من احتمالية الإصابة بالجفاف في صيف سنتنا هذه القائظ بسبب ارتفاع درجة الحرارة الذي يسبب فقدان كميات كبيرة من سؤال الجسم، بالإضافة الى الامتناع عن الأكل والشرب خلال فترة الصيام. وهذا ما حدث للأسف لأبي صالح والذي مازال يزاول مهنة الحلاقة. دخل أبو صالح للمشفى وعملنا له فحوصات كثيرة بينت أن كليتيه تعرضتا لجفاف حاد أدى الى قصور مؤقت في عملهما ولكن سرعان ما تماثلتا للشفاء بعد إعادة اتزان السوائل داخل جسم ابي صالح بتعويض السوائل المفقودة عبر الفم والوريد. كما بينت الفحوصات تأثر انتظام ضربات قلب أبي صالح وزيادة لزوجّةِ دمه مما عرضه لجلطة بسيطة في رئته اليمنى مما حدا بنا لإعطائه الادوية المناسبة لكل هذه الاعتلالات في جسد أبي صالح. وعندما تماثل أبو صالح للشفاء خرج من المستشفى بالتعليمات اللازمة لمنع تكرار ما حدث له وقد نصحناه بألا يكمل صيام الشهر الفضيل إلا بعد التأكد أنه أصبح في حالة جيدة تسمح له بذلك. إن كنت عزيزي القارئ ممن لديه فغارة معوية أو تعرف أحداً بمثل هذه الحالة فإليك بعض النصائح التي قد تجنبك بإذن الله الجفاف وتأثيراته السيئة على صحتك: • يجب الابتعاد قدر الإمكان عن التعرض المباشر للشمس، كما يجب الحرص على التواجد في أماكن معتدلة الحرارة أو أماكن ظليلة. وإذا كان لا مفر من التعرض للشمس، يمكن الاعتماد على ارتداء قبعة فوق الرأس، والعمل بطريقة معتدلة تضمن عدم حدوث إرهاق مفاجئ بسبب التعرض للشمس. • لمنع حدوث جفاف نتيجة لفقدان كمية كبيرة من الماء وأملاح الجسم يجب شرب من2 – 2،5من السوائل يومياً بما فيها المشروبات الرياضية مثل جيتاريد. أن يقوم بشرب ما معدله ثمانية أكواب خلال فترة الإفطار. وقد يكون ما تشربه ماء أو عصير فاكهة، على سبيل المثال. لكن من الأفضل الإكثار من الماء دون الاقتصار عليه. قم بشرب الماء عند الإفطار وتوزيع شربه على الفترة المسموح الشرب بها، أي من أذان المغرب إلى أذان الفجر. وتذكر أن عدد الأكواب التي تشربها يزيد من طاقتك في اليوم التالي. • لا تعتمد على الماء فقط. فلا يجب أن ننسى دور العصائر الطبيعية والفواكه الأخرى التي تحتوي على كميات كبيرة من السوائل بالإضافة إلى العديد من الفيتامينات والأملاح والعديد من العناصر المهمة في توازن سوائل الجسم ويشمل هذا الليمون والفراولة والبرتقال على سبيل المثال والتي ينصح بتناولها ليلاً أو في وجبة السحور لأنها تحتوي على كميات كبيرة من الماء والألياف التي تبقى لفترة طويلة في الأمعاء. وهذا يقلل من الشعور بالجوع والعطش. • تجنب شرب أو أكل ما يحتوي على المنبهات مثل القهوة والكولا والشاي والمشروبات المحتوية على كافيين أو كميات كبيرة من السكريات، فهي مدرة للبول، ما يجعلها تسحب السوائل من الجسم فتؤثر عليك سلبا في اليوم التالي. • أضف ملعقةً صغيرةً من ملح الطعام إلى وجباتك التي تتناولها خلال اليوم إذا كنت لاتعاني من ارتفاع في ضغط الدم لأنها تساعد على عدم فقدان الكثير من سوائل الجسم. • تناول الأطعمة التي تجعل البراز متماسكاً كالموز- الرز- المكرونة- الخبز-النودلز- الجيلي- حلوى الجيلي- زبدة الفول السوداني- المارشميلو (خدودالبنات) - البطاطس - صلصة التفاح. • تجنب هذه الأطعمة:-المكسرات- قشورالفاكهة- بذورالفاكهة-والفشار. • تجنب تناول الأطعمة التي تحتوي على البهارات والنكهات الحارة لأنها تزيد الشعور بالعطش • ابتعد عن تناول الأكلات والأغذية المالحة؛ مثل السمك المملح وجميع أنواع المخللات؛ لأن هذه الأغذية تزيد من حاجة الجسم للماء. وأخيراً تذكر أخي المريض صاحب الفغارة المعوية " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " فالدين الإسلامي دين يسر فلا يجب أن ينسى كل صائم خاصة أصحاب الحالات المرضية أن لديهم رخصة للإفطار في حالة الشعور بأزمة صحية تحتاج لتناول دواء معين خلال فترة الصيام أو حتى تحتاج لتناول سوائل في حالة الجفاف الشديد. أتمنى لأبي صالح أن يكون شهره شهر بر وأعمال صالحة وأدعو لأعزائي القراء ولكل المسلمين بأن يتقبل الله الصيام والقيام وكل عام والأمة الإسلامية بخير.