الأمراض تأكل جسده النَّحيل، فيما هو ينكرها تماماً وينسى مجرَّد وجودها في جسده، ويتلهّى بها كما لو كان قدراً محتوماً لا مفرَّ منها من دون أن يكترث، أعتقد بدوري أنَّها كانت تحاصره بكلِّ قوة، وتقضي عليه بالتَّجاهل، ويلقِّن لا وعيه - من دون أن يدري- تجاهل الأمراض كي لا تنهي حياته سريعاً، الأمراض جراثيم يقتلها التَّجاهل، وكلُّ شيء في الحياة عموماً يقتله التَّجاهل أيضاً، هذه قناعة مسنَّنة حارقة تقتل أيَّ شيء بسهولة مطلقة، وتحاصر أيَّ ماء يتربَّص بك، فلا تغرق في الوهم والقلق والحيرة والشُّرود، كلُّ ما على جسدك أن يتقنه هو هذه اللُّعبة، لعبة التَّجاهل المقنّن، وعليك كي تعيش طويلاً أن تقتل في نفسك قدرة حصار المرض المطبق عليك، تلك القدرة التي تصوّب رصاصها تجاه جدار حمايتك النَّفيسة لترديه قتيلاً، وتجني عليك بعدها وبلا أدنى مقاومة منك، الحياة كلعبة الشّطرنج ينهيها الحصار، وكلَّما قدمت قطعة جديدة للخصم، اتّسعت حرِّيّته، وضيَّق الخناق على حياتك على الرِّقعة، وكذلك المرض، يجب عليك أن تكون وزيراً لا وزراً على الرِّقعة كي تفوز باللُّعبة ومن ثمَّ الحياة،( محسن) أتذكَّره بجسده الضئيل ووجهه الشاحب وهو يصعد منزله في الطابق العلوي، وبهذا كان يتقدَّم مع كلِّ درجة يصعدها إلى حصار الأمراض ومنها السكري، وأعتقد أنَّ منزله العالي كان سبباً مقنعاً لحصار كهذا! فالأمراض عموماً والسُّكر في الخصوص يربكه المشي الدَّائم ويحبط فخاخه التي ينصبها حول خلايا الجسد، أبداً مثل أهل الجبال يفضِّلون أعالي الجبال سكناً لهم فراراً من حصار الماء، ولقد اختار لمنزله موقعاً عالياً ومنيفاً كما لو كان يقرأ قدره مع الأمراض والسُّكري سلفاً، لقد اختار منزله العالي، تسانده في ذلك خفَّة جسده النَّحيل، للتَّنقّل على رقعات الحياة، لقد ناضل طويلاً ولم يلحق به الحصار المؤلم، ولم يترك ماء حياته يغادره بسلام مطلق، أو يتسرَّب منه، حتى خذلته خفَّة ساقيه بسبب الشيخوخة والمرض، الأمراض في النهاية قاسية بالنِّسبة لمن لم يتصوّرها أو يتخيلها أو يعيشها، هي مثل الصندوق الأسود لا يمكن قراءة ما به ولا التّنبؤ بمحتواه، وحدها عملية التجاهل والتوكل والإصرار والأمل وأخذ الأسباب تعدُّ مفاتيح ملائمة لمن حاصرته الأمراض، حتى لا تملأ سمومها الشرايين والذاكرة والنفس والجسد. ramadanalanezi@hotmail.com ramadanjready @