كنت أقرأ مقالة الزميل مشاري الذايدي التي يكيل فيها اللوم لأوباما وأميركا. وفيها أشار الزميل إلى اللوم الذي ألقاه جنبلاط أيضا عليهما. وكنت أنا كذلك قد مضيت قبل آونة طويلة في توجيه النقد نفسه للرئيس الأميركي، عندما وصفته بهاملت الثاني. ومن لم يسمع بهاملت الأول، فهو بطل مسرحية شكسبير الذي ظل يتردد حتى وقع في عين الكارثة. وهنا أيضا في لندن قرأت الكثير في الصحف البريطانية من النقد والتجريح للرئيس الأميركي. يظهر أنها موضة الموسم. فالسياسة أيضا لها موضاتها ومواسمها، كما للحسان موضاتهن ومواسمهن. وموضة الموسم السياسي الآن انتقاد باراك أوباما. ولكنني لست ممن يحلو له أن يشحذ خنجره ويطعن جريحا ساقطا على الأرض. دعونا نسمع إفادته، وما يقوله عن دوره في القضية إياها. وأنا سمعته، وما سمعته أنه جاء محملا بأمنيات طيبة لمعالجة قضايا الشرق الأوسط، عبر عنها في خطابه الشهير عن الإسلام والمسلمين في القاهرة. وعين مندوبا لمعالجة القضية الفلسطينية، السيناتور ميتشل. بيد أن كل هذه الآمال تبددت. اضطر ميتشل للاستقالة، وتلاه الأخضر الإبراهيمي بالنسبة لسوريا، وهو أمر يذكرني بهذه الظاهرة السياسية التاريخية من أيام الدولة العثمانية إلى الآن؛ كل من مد يديه لحل مشاكل الشرق الأوسط احترقت يداه. كان آخرهم السفير الأميركي لدى ليبيا. تحمس لمساعدة الثوار على التخلص من القذافي، وإقامة حكم ديمقراطي في البلاد، وقتلوه. تسلم أوباما الحكم وبلاده متورطة في هذا الوهم، وهو أن كل ما يحتاجه الشرق هو الديمقراطية، رأي تبنته حتى إسرائيل، مما جعل الباحث الأميركي الصهيوني برنارد لويس ينقض ما سبق وآمن به، وهو أن الإسلام يتناقض مع الديمقراطية، فغير رأيه بمقالة جديدة أكد فيها إمكانية ذلك. حاول أوباما السير في هذا المشوار، فتعثرت المحاولة في أفغانستان والعراق ومصر وغزة. وكان هناك رأي آخر تبناه الغرب، وهو شرعية التدخل الخارجي لإصلاح الأمور. وهو ما جربوه في الصومال وأفغانستان والعراق وليبيا. هنا أيضا فشلت المحاولة. وأدى هذا الفشل إلى اعتقاد الغربيين بأن الوقوف على التل أسلم. دع القوم يقتل بعضهم بعضا. تأكد ذلك في استطلاعات الرأي في الغرب، وهو ما حمل البرلمان البريطاني على رفض اقتراح رئيس الحكومة ديفيد كاميرون بالتدخل في سوريا. وكان لهذا الرفض صداه في أميركا وأثره على أوباما. فالواقع أن تخبط الشرق الأوسط هو الذي ألقى بأوباما في هذا المربع. بالطبع، كانت هناك عوامل داخلية أيضا ساهمت في تقييد يديه، فهو بصفته رئيس دولة تهمه أولا مصالح بلاده وبرامجه لها. كان عازما على توسيع الخدمات الصحية والاجتماعية، مما يتطلب موافقة المجلس، حيث يلعب اللوبي اليهودي دورا مهما. ما إن شرع أوباما في مسعاه لمعالجة فلسطين، حتى أسرعت المنظمات اليهودية للاجتماع به وتحذيره: «إوع تزعَّل إسرائيل!» بالطبع هنا أيضا لم يساعده الفلسطينيون بعد اتفاقية أوسلو، وشائعات عن فساد، وانقسامات، ومشاحنات، وأخيرا تسليم غزة للإسلاميين. أوباما شخصية من المسرح التراجيدي واجهت ما لا طاقة لها به.