×
محافظة المنطقة الشرقية

«العين» .. وش تبي فينا؟

صورة الخبر

يكتب المثقف مقاله الصباحي يخاطب قراءه، فإذا بمحور المقال انتقاص وتهكم وسخرية، واتهام وتذمر، كل شيء أمامه سيئ، وكل نتاج رديء، ولا أمل في تغيير ولا تطلع إلى شيء أفضل. يدلف المعلم إلى الفصل وفي نيته حث طلابه على التعلم، فيكون حثه لهم مملوءا بالانتقاص منهم والتعريض بتقصيرهم والبكاء على سوء عملهم. يؤوب المسافر من غيبته فإذا هو محمل بالتعالي على ما يراه في بلده من عادات وألفاظ وطعام وتعامل حتى الطقس لا يسلم من تعاليه، فإذا به ينتقص كل شيء ويتذمر من كل شيء. يخطب الإمام في المصلين فيكون محور حديثه معهم أنهم وقعوا في الآثام وارتكبوا من الذنوب ما أخرجهم عن دائرة الإيمان وأوقعهم في دوائر الكفر والفسوق، فإذا بهم في نظره أشد الخلق سوءا وأكثرهم معصية! خطاب مملوء بما يحبط ويثبط، قد تكون نيته الإصلاح لكنه يسير في الطريق الخطأ. في المقابل يظهر خطاب مضاد يصنع من (الحبة قبة) كما يقول مثلنا الشعبي، كأن يحدث أن يحقق مبتعث إنجازا طيبا في دراسته، أو ينشر باحث دراسة له في مجلة علمية مميزة، وفي معظم الحالات يكون ذلك مما هو معتاد لا يخرج عن الإطار العام الذي يتوقع أن يسير داخله الدارسون والباحثون، لكن الصحف وغيرها من وسائل الإعلام ما تلبث أن تصدح بادعاءات الغلبة والتفوق على العالم وتحقيق ما لم يبلغه الأولون ولا الآخرون من فتوحات مجيدة في عالم النجاح والفلاح! وهنا أيضا قد تكون النية طيبة بهدف التشجيع وإظهار المحاسن ورفع المعنويات، لكنها تظل تخطئ الطريق إلى ما ترمي إليه من غاية. فالمبالغة والإسراف في التمجيد وإيهام الناجح بتحقيقه تفوقا أكبر مما حققه في الواقع، ينعكس أثره سلبيا عليه، فحين يوهمه الآخرون أنه (فلتة) زمانه ثم تثبت له الأيام أنه ليس سوى إنسان عادي بإمكان كثيرين أن يحققوا مثلما حقق، قد تخيب طموحاته لنفسه وقد تفتر همته نتيجة الإحساس بالخيبة. ليس هذا فحسب وإنما أيضا يمتد الأثر السلبي ليلقي بظلاله على الآخرين، فالذين يقرؤون التمجيدات الكبيرة وهي تصور الناجح نابغة لا يكرر الزمان مثلها، تصغر في عيونهم إمكاناتهم الخاصة ويزدرون قدراتهم مستبعدين إمكان تحقيقهم نجاحا يذكر، فتفتر هممهم وتذوي رغبتهم في متابعة العمل. كلا الخطابين مسرف في ادعاءاته، بعيد عن الواقع يرتكز على الكذب أكثر من ارتكازه على الحقيقة، وما يحدث غالبا هو أن الناس سرعان ما يديرون ظهورهم لكلا الخطابين وأمثالهما.