من المهم للغاية أن يتطور الخير والسلوك الإنساني إلى مرحلة مؤسسية، بحيث يكون الفرد مؤسسة إنسانية من واقع ما يعكسه من نشاط يرفد المجتمع بغطاء خيري واسع ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وليس ضروريا أن يكون صاحب مال أو منصب، وذلك أمر قدمه كثيرون بصورة متفانية في مجتمعنا، ولكن حين يرتبط ذلك بفاعلين اجتماعيين لهما حضورهما في الوسط الاجتماعي يتحوّل إلى رسالة سامية تتواءم مع الطبيعة الذاتية وتمنح المشروع الإنساني أبعادا أكثر سلاسة وقوة في تقديم الدعم للمحتاجين. استوقفتني أخيرا المبادرة الإنسانية التي قام بها الفنان فايز المالكي، والتي ناشد من خلالها وزير الصحة لمتابعة موقعه على موقع تويتر الاجتماعي للوقوف على كثير من الحالات الإنسانية التي تتطلب علاجا، هو أحد أقل استحقاقاتها في الحصول على خدمات صحية، وهي في الواقع لا تطلب إلا هذا العلاج، في وقت لم تتوفر فيه للوزارة الأدوات اللازمة للاطلاع على أوضاعها الصحية ومباشرة دورها الخدمي في التعامل معها علاجيا وطبيا، ما يعيد إلى ذاكرتي ما كتبته سابقا بشأن التقصير والقصور العلاجي لعدد من الحالات التي تحدثت عنها سابقا والتي من المخجل أن نكتب عنها حتى تلتفت إليها وزارة الصحة. في مقال سابق استعرضت من خلال حيثيات واقعية، حالة طفلة تعرضت لصنوف من الأخطاء الطبية في سياق سلسلة متكررة منها مستعرضة حالتها التي انتهت بتنويمها بين الحياة والموت في وقت تزداد فيه حالتها الصحية سوءا دون أن يوجد بين الطاقم الطبي ما يشفي غليل أسرتها بجواب شاف عن حالتها، والذي انتهى أخيرا إلى نداء الفنان فايز المالكي بالالتفات إلى حسابه، حيث أصبح يحتشد بحالات لمحتاجين للعلاج إنما يأتي في سياق عكس الإخفاقات المتتالية لوزارة الصحة، والوزير المكلف بها معني بالالتفات إلى أكثر مما يوجد في حساب المالكي، وشخصيا سبق وأن أعدت تغريد عدد من الحالات التي يبدو أنها لم تصل افتراضيا عبر تويتر أو واقعيا إلى مقام الوزارة، وذلك أمر يشعرنا للأسف بوجود تقصير مزمن في أداء الوزارة وأسلوب عمـلها الذي لا يواكب النمـو العلاجي وتلبية الاحتياجات الصحية للمواطن. حينما خاطب الفنان فايز المالكي وزير الصحة بتوفير العلاج للمرضى وتطبيق التأمين الصحي عليهم، ودعا الوزير للدخول إلى حسابه في تويتر ليعرف مطالب المرضى، فهو إنما يتحدث بلسان الواقع ليعزز الحاجة إلى توسعة مظلة التأمين الصحي الذي يظل الحل العملي الوحيد والمناسب حتى الآن، خاصة أن هذا التأمين صدر فيه توجيه من الجهات العليا، ولكن لم يبادر أي وزير للصحة منذ المانع إلى تفعيله والعمل به، وذلك يؤكد وجود خلل هيكلي وتنفيذي في أداء وزارة الصحة يفسر أوجه الخلل في أدائها. وحين تكون وزارة الصحة معتلة وقاصرة في علاج الحالات التي تلجأ إلى المواقع الاجتماعية فإنها تتواضع بمستوى الرضا عن أدائها، ولا يمكن تصديق ارتفاع منسوب ذلك الرضا بحسب استطلاعاتها لأنها يبدو تنظر في المرآة لنفسها ولا تعبأ بالحقيقة الواقعية التي تعكس إخفاقا تلو الآخر مع كل حالة لم تستوعبها صحيا وطبيا حتى يضطر المواطنون إلى اللجوء إلى نشر معاناتهم في الشبكة الاجتماعية، وذلك ليس أمرا جيدا للوزارة، إذ إنها لو أجادت وظائفها لما لجأ المواطنون إلى المواقع الافتراضية، ولذلك أنضم إلى ما ذهب إليه المالكي في تغريدته بأن أولئك الناس لا يريدون ملايين فقط، وإنما يريدون علاج علاج علاج، وهذا هو جوهر دور وزارة الصحة فإذا لم تقم به فماذا تفعل؟! لأننا في الواقع أمام مفارقة خدمية مثيرة لا يحسمها إلا إعادة نظر في أداء الوزارة وأسلوب تقديمها للخدمات الصحية، وفي حساب المالكي وغيره كثير من الحالات التي تترجم الإخفاق الصحي الذي نعيشه ونحتاج إلى وزارة تستوعب المعاناة ولا تسمح بتسرب الحالات من الواقع إلى المواقع الاجتماعية؛ لأن ذلك يؤكد أننا لسنا في حالة صحية جيدة، وإذا حدث العكس واختفت من تويتر فذلك هو المؤشر الصحيح والصحي على تعافي أداء الوزارة، أما ما يحدث حاليا فهو بالتأكيد ظاهرة غير صحية تحتاج بدورها إلى علاج. الوطن