لا شك أن عديداً من الشركات العاملة في المشاريع الخدمية في منطقة مكة المكرمة وكذلك مؤسساتها الحكومية تنفس مسؤولوها الصعداء بعد إعفاء خالد الفيصل من منصبه كأمير على تلك المنطقة، فهم يعلمون أن ذلك الأمير لا يرضى بالحال المايل في أداء فريق عمله. كنت أتمنى أن يستمر عمر خالد الفيصل إداريا في تلك المنطقة حتى إنجاز خطة الاستراتيجية ومشاريعه التي شملت عديداً من إنشاء الأنفاق والجسور لفض زحام طرق جدة ومكة المكرمة الخانق، والمطار الجديد وتنظيم الأحياء العشوائية واستاد الملك عبدالله في جدة الذي اكتمل ما يزيد عن 90% منه خلال سبعة أشهر فقط ومشروع القطارات، وأن يقدم عقبها «كشف حساب» لسكان منطقته كما وعدهم، وأن يكون ذلك ديدن هذه البلاد عند أي تغيير أو إعفاء لمسؤول ما. لم أتخيل أن يكون خالد وزيراً للتربية والتعليم يوم ما، ليس لعدم قدرته الإدارية ولكن لبعد ذلك الأمير عن هموم ذلك القطاع ومنسوبيه الذي يعد من أعقد القطاعات هماً وأحداثا حيث لا يمكن -في اعتقادي- لأحد من خارج دائرته الإلمام بخفاياه. قد أكون على خطأ، ولكن ما سيثبت ذلك أو يدحضه هي الأيام التالية من إدارته ومدى قدرته على تلمس احتياجات منسوبيه من معلمين وطلاب وأسر. إن على خالد الفيصل أن يتخطى عقدة إصدار الأوامر والتعاميم والمشاريع التعليمية المتلاحقة التي تلغي بعضها بعضاً وعدم وضوح أولويات العمل التي وقع فيها وزراء التربية والتعليم والقيادات السابقة -إن أراد الإصلاح الحقيقي للتعليم- وأن يضع في خلده مقولة الإمبراطور الياباني ميجي تينُّو عندما سئل عن سر تقدم اليابان فأجاب: بدأنا من حيث انتهى الآخرون وتعلمنا من أخطائهم وأعطينا المعلم حصانة الديبلوماسي وراتب الوزير. المعلم والمعلمة هما بلا شك أهم وأخطر حلقة من حلقات بناء المجتمع ودونهما لن يتحقق التطوير الذي «نسمع عنه» فلا فائدة من تطوير المناهج أو تحسين البيئة المدرسية وغيرهما من مشاريع التحديث دون أن يكون بداية ذلك الاهتمام بالمعلم والمعلمة وتوفير متطلباتهما النفسية والاجتماعية والمهنية هذا هو الوضع السوي، الذي يجب أن يتكاتف قياديو «التربية» من أجله. عليه أن يتأمل أوضاع منسوبي التعليم -قبل كل شيء- ليرى الإحباط الذي اعتراهم من كل صوب، وأن يحمل على عاتقه مسؤولية تحليل ذلك الإحباط الذي يبدأ من معاناتهم السنوية في حركات تنقلاتهم التي اضطر «مرسوم ملكي» إلى تصحيح خط مسارها قبل عامين، وينتهي بإلزامه بالحضور والتوقيع في سجل «الدوام» مجاملة لمديري ومديرات مدارسهم لأشهر «ثقال» رغم انتهاء اختبارات الطلاب والطالبات. منسوبو ذلك القطاع بحاجة إلى عديد من الخدمات كالمستشفيات والتأمين الصحي وبدل السكن، والأندية الثقافية والرياضية المجهزة التي تحترم مكانتهم الاجتماعية إضافة إلى تقليل ذلك الكم الكبير من المسؤوليات التي ترمي على كاهله داخل المدرسة من خلال ممارسته دور التربوي وحارس الأمن والمناوب وما يلقى عليه من حصص تتجاوز 24 حصة إضافة إلى حصص الاحتياط والإشراف على الأنشطة والجماعات ولا تقف تلك المعاناة اليومية عند ذلك بل تتجاوز في عدم تثبيت البديلات ومعلمات ومعلمي العقود وعدم نيل بعضهم حقوقهم المالية والافتقار لوجود برامج تدريبية «جادة» تساهم بفاعلية في صناعة التغيير المهني وإقرار تصنيف المعلمين والمعلمات إلى مراتب حسب أدائهم وسنوات خبراتهم وعدم وجود رخصة القيادة في التعليم والتخوف غير المبرر من فتح الباب لتطوير مهارات المعلمين والمعلمات لإكمال دراساتهم العليا والتوسع في برامج الابتعاث والإيفاد الداخلي، أيضا عدم فتح ملف التقاعد والبت فيه ومراجعة نظام مكافأة نهاية الخدمة، وعدم جدية دعم بطاقة المعلم الخدمية وتفعيلها أسوة بباقي القطاعات الحكومية. إن قائمة الإحباطات للعاملين في قطاع التعليم تطول لتشمل حرمان المديرين والمشرفين التربويين الملتحقين ببرامج تدريبية فصلية مكررة من بدل النقل، واحتساب سنوات الخدمة على بند 105 ورفض طلبات إنشاء جمعيات تعاونية مصرح لها من قبل وزارة التربية خاصة بالمعلمين والمعلمات تناقش همومهم وتلبي احتياجاتهم في ظل وجود مجالس استشارية لا تغني ولا تسمن من جوع. لقد حان الوقت لكي يضع خالد أولوياته بدقة حتى لا تصبح تلك المليارات من الريـالات مهدرة، فلكي نعود أمة مؤثرة لابد من عودة الاهتمام بالعلم والتعليم ورفع شأن المعلم اجتماعياً واقتصادياً ومعرفياً وإعادة هيبته المفقودة وتلبية احتياجاته المادية والمعنوية بحيث يتفرغ لمهمته السامية في تربية النشء والارتقاء بهم، وأن لا تهدم إدارته ما قام به الوزير السابق الذي لا يمكن إنكار «قوة» بعض قراراته الداعمة للعملية التعليمية والتربوية كتلك التي أفرزت الأدلة التنظيمية والإجرائية داخل المؤسسة التعليمية والصلاحيات التي قدمت لمديري ومديرات المدارس، إضافة إلى إقرار الميزانية التشغيلية للمدارس وارتباطها بالقادة التربويين وتفعيل المقابل المادي لحضور حصص الانتظار والصلاحيات التي قلصت من مركزية الوزارة. إن خالد الفيصل أمام محك كبير وحقيقي لترسيخ أحلام منسوبي ومنسوبات قطاع التعليم وجعلها واقعاً فعلياً لتضاف إلى تاريخه الاداري والإصلاحي، فهل ينجح في ذلك؟