روى لي صديقي الدكتور مصطفى الصناديقي، حين عمل معي مساعداً في مدينة بريدة في القصيم، أيام كنت رئيساً لوحدة جراحة الأوعية الدموية في المشفى التخصصي، أن والدته تربي الدجاج في بيتها، وأن الدجاجة إذا جرحت فبان منها الدم أحمر، لفت ذلك نظر بقية الدجاج؛ فهجمت عليها ينقرون مكان الجرح، حتى تموت قتلا على يد «رفاق» القن. هذه الظاهرة رأيتها أنا أيضا في عالم الأرانب حين غامرت بتربية هذه المخلوقات عندي في الحديقة؛ فاحترت في كيفية تطويقها؛ ولو تركت لأكلت كل أخضر في ساعات، وإن لم ينتبه لها المربي حفرت أنفاقا بطول الأمتار تحت الأرض، فتهرب في كل اتجاه ما لم يكن مكانهم بالإسمنت المسلح تحت أقدامهم. رأيتهم حين جرح أرنب من القطيع كيف هجموا عليه فعزلوه ثم قتلوه. إن مخالبهم للحفر فظيعة، ومن أراد اللحاق بأرنب شرد فلا يجرب حظه في اللحاق به؛ فقد أعيا هذا اللبوة والضبع والثعلب والنسر، ربما كانت هذه غريزة عندهم فلا يعرفون كيف يعالجون المريض والشاذ إلا بهذه الطريقة، حفاظا على روح بقية الجماعة. وقرأت من علم الإنثروبولوجيا أن بدايات الإنسان الممثلة في إنسان نياندرتال الذي اختفى من وجه الأرض قبل 35 ألف سنة كانت تتميز بأنه يُعني بالمريض ويحترم جثة الميت فيدفنها مع رموزه. ويمكن تفسير هذه الظاهرة بما يحدث أيضا في عالم الأبدان والاجتماع الإنساني؛ فأما في عالم «البيولوجيا» فإن الجسم وحدة واحدة عصية على كل غزو واقتحام من أجل المحافظة على الذات. يظهر هذا في مقاومة الأمراض ودخول الجراثيم وغزو الفيروسات. أذكر يوما وأنا أجري عملية جراحية لمريضة مصابة بالتهاب الكبد الوبائي «HCV» أنني جرحت يدي جرحا بليغا، فأصبت برعب أن ينتقل هذا المرض لي فأفقد وظيفتي وحياتي، فقمت بإجراء الفحص في مخبر عالمي فكانت النتيجة والحمد لله أن دمي نظيف. قالت لي زوجتي رحمها الله يومها هل أجسادنا من الهشاشة والضعف بهذا المقدار فنتعرض للمرض بسهولة بسبب خلف جرح. كان الحق معها، شرحت لها وجهة نظر الطب أن العدوى جانبان؛ في كمية الفيروسات المحمولة في دم المريض المصاب وتنتقل بالجروح إلى الجراحين، وقوة الجهاز المناعي في لحظة الإصابة فهو أيضا يتأرجح بين ساعة وأخرى. وينطبق هذا القانون على زرع الكلية فمهما كان مرض الفشل الكلوي بحاجة لزرع كلية فإن البدن يرفض أي جسم غريب على نفس القاعدة. فإذا انتقلنا إلى عالم الاجتماع قلنا إن الأفكار الجديدة هي مثل الجراثيم فيرفضها الجسم بمناعة شديدة من أجل المحافظة على لون الاستقرار الاجتماعي عنده. وهنا كان الأنبياء يقولون يا قوم لم تتبعون من قبلكم من الآباء أَوَلَوْ كَانَوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون. ترجمة هذا الكلام أن أشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.