لندن: «الشرق الأوسط» يتبنى معظم التقارير والتوقعات الصادرة عن الخبراء الإيرانيين بشأن أحدث التطورات في أسواق البورصة الإيرانية نظرة تفاؤلية تعتمد على سياسات الدعم الحكومية. وبمراجعة هذه التقارير المنتشرة في وكالات الأنباء الإيرانية، قلما توجد تحاليل تتبنى نظرة منطقية من الواقع الاقتصادي، والبنى التحتية في إيران، وتقوم هذه التحاليل الاقتصادية على غرار الردود العاطفية الصادرة عن أصحاب الأسهم، على أساس تضخيم المؤشرات الإيجابية الآنية للبورصة دون التعمق في الأسس التي تقوم عليها الأسواق، وبناء عليه تقدم صورة طويلة الأمد عن الأسواق المالية في إيران. شهدت أسهم البورصة الإيرانية في الخامس من يناير (كانون الثاني) تراجعا بنسبة 89500 نقطة، وأوشكت على بلوغ لحظة منسكي، التي تنهار فيها البنية الاقتصادية التي لم تقم على أسس سلمية، وتنبأ الاقتصادي الأميركي هايمان منسكي بهذه النقطة، خلال الأزمات الاقتصادية العالمية. واعتمدت الحكومة الإيرانية على الآليات الآنية، وسياسات غير فعالة على غرار توقف التداول للأسهم بهدف منع انهيار مؤشر الأسواق المالية. ومنعت الحكومة من اكتساب هذا المؤشر عافيته، بعد أن سجل تقدما في فترة الركود التضخمي بلغت ثلاثة أضعاف نسبة التضخم البالغة 40 في المائة. وأدت هذه السياسة المالية إلى إبقاء هذه الغدة السرطانية في البورصة الإيرانية، ويسعى المسؤولون إلى الحد منها من خلال توفير علاج آني بدلا من البحث عن حلول جذرية لها، وتعود هذه الغدة للانتشار من فترة لأخرى. واتخذ المسؤولون قرارات جديدة على غرار ضخ السيولة في السوق بنسبة 5000 مليار تومان، وانخفاض نسبة الفائدة المصرفية، بعد أن سجل مؤشر أسواق المال خلال أسبوع (9 إلى 15 أبريل «نيسان» 2014) تراجعا بنسبة 4000 نقطة. ومنحت هذه الإجراءات الأسواق انتعاشا كاذبا، وبدأ أصحاب الأسهم الصغيرة بالتوافد على السوق في الوقت الذي لم يشارك فيه أصحاب الأسهم الرئيسة في هذه العملية بسبب شكوك راودتهم حول عدم استقرار القرارات الحكومية، التي تؤثر سلبا على استقرار الأسواق. يؤدي ضخ السيولة في الأسواق إلى تضخم الأسواق، ونشوء الفقاعة في السوق لأمد قصير. يجب استخدام السيولة النقدية في تطوير البنى التحتية وليس لإحداث تغييرات متعمدة في الأسواق. إن عودة الأسواق لحالتها الطبيعية ونموها مرهونة بالمتغيرات الأساسية للشركات، على غرار نسبة تحقيق الفوائد والظروف الواقعية للاقتصاد. وفي ظل السياسات المتذبذبة بشأن أسواق المال، وعدم تمتع الأسواق بحالة من الشفافية، وعدم انخفاض الفائدة المصرفية، فلا ضمانات حقيقية من أن رؤوس الأموال التي خرجت من الأسواق المالية تتدفق إلى سوق الاستثمار. وبالنظر إلى السيولة العالية المتوفرة في رؤوس الأموال، فإن أموال المستثمرين تتدفق إلى أسواق تحقق أرباحا هائلة على غرار أسواق الذهب، والعملة، والسكن. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإيرانية تعتمد برامج اقتصادية بناءة إلى جانب توفير الدعم الكاذب لسوق الاستثمار. قد يؤدي التسريع في هذه البرامج والخطط الاقتصادية إلى إزالة المشاكل التي تعاني منها البورصة الإيرانية بشكل جذري، مما سيساهم بدوره في تحقيق أهداف الحكومة. تتمثل هذه البرامج الاقتصادية في تطوير صناعة النفط والغاز، والإشراف على النظام المصرفي، واحتواء التضخم، وتطوير صناعة السيارات، وخطط لتنمية التجارة الأجنبية، وإحراز التقدم في المفاوضات النووية بهدف رفع العقوبات الدولية. إن تحقيق مثل هذه الخطوات من شأنه أن يصب في مصلحة أسواق المال. وفي نظرة إجمالية لتطورات الأسواق المالية خلال الأسبوع الماضي، نجد أن خطط الدعم الحكومية، وتدخل صندوق تنمية الأسواق المالية، بهدف احتواء الأسواق، لم تؤد إلا إلى تحسين الأجواء السلبية السائدة على الأسواق، وانخفاض وتيرة هبوط الأسهم، في حين أن البورصة لم تسترجع عافيتها. سجل مؤشر السوق صعودا متواصلا خلال أسبوعين، وبلغ خلال الأسبوع الماضي 77752 نقطة مسجلا انخفاضا بنسبة 0.5 في المائة بالمقارنة مع الأسبوع الذي سبقه. وبلغ إجمالي قيم التداولات خلال الأسبوع الماضي، نحو 106 آلاف مليار ريال في 392835 جلسة، وذلك بحجم تداولات بلغ نحو 7783 مليون سهم. وكان أداء الأسهم خلال الأسبوع الماضي هادئا ومستقرا. ولكن هذا الانخفاض النسبي للأسهم قد يدل على هبوط حاد للأسهم خلال الأسابيع المقبلة. ويجري حاليا إعداد التقارير المالية السنوية، مما قد يؤدي إلى استمرار التذبذبات الإيجابية والسلبية لفترة، وسنلاحظ انخفاض وتيرة التذبذبات السلبية في الأسواق. * الذهب والعملة الصعبة * انخفضت أسعار الذهب الإيرانية، خلال الأسبوع الماضي، واستقرت نسبيا عند السعر العالمي للأونصة. ويعود سبب استقرار أسعار الذهب إلى الاستقرار النسبي لأسعار الدولار. وبلغ سعر الدولار الواحد 3300 تومان إيراني، ويرى الخبراء أن الارتفاع البسيط الذي شهده سعر الدولار بنسبة عشرة في المائة هو جزء من الخطة الحكومية لمواجهة الركود الاقتصادي، الذي تعرض له الاقتصاد الإيراني بعد احتواء التضخم، وإصلاح برنامج الدعم الحكومي للسلع الأساسية. ولا يمكن تجاهل حقيقة مفادها أن التداعيات السلبية للمرحلة الثانية من إصلاح برنامج الدعم الحكومي للسلع، المتمثلة في ارتفاع نسبة التضخم، وارتفاع أسعار مصادر الطاقة لم تنعكس بعد في الأسواق بشكل كامل. إن الآفاق الإيجابية للمفاوضات النووية، وتدفق الأموال الإيرانية المجمدة إلى الأسواق، أدت دورا مهما في استقرار سعر الدولار الذي بلغ 3300 تومان إيراني خلال الأيام الأخيرة. ولولا هذه العوامل، لشهدنا استمرار ارتفاع سعر الدولار. أدت التصريحات التي أدلت بها رئيسة مجلس الاحتياطي الاتحادي جانيت يلين، حول تسارع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، هذا العام إلى هبوط حاد بنسبة 17 دولارا للأونصة لأسعار الذهب العالمية في يوم الأربعاء السابع من مايو (أيار). ويتعافى الاقتصاد الأميركي بسرعة كبيرة، بعد أن مر بشتاء قارس في عام 2014. ويعوض عن الخسائر التي لحقت به بشكل متسارع. وقد لعبت أزمة أوكرانيا دورا مهما في تصاعد أسعار الذهب العالمية خلال الأشهر الأخيرة، ولكنها عادت تتراجع بالتزامن مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده لإجراء مشاورات مع رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا حول سبل الخروج من الأزمة. وطالب بوتين القوى الموالية لروسيا في أوكرانيا بتأجيل إجراء الاستفتاء. ويبدو أن أسواق الذهب والعملة تعيش حالة من الاستقرار في الأسعار في مطلع الأسبوع المقبل، بسبب غياب أسباب بارزة تؤدي إلى التصاعد أو الهبوط في الأسعار.