بغداد: حمزة مصطفى أثارت الفتوى التي أصدرها المرجع الديني في مدينة النجف آية الله العظمى بشير النجفي (أحد المراجع الأربعة الكبار في النجف إلى جانب علي السيستاني ومحمد سعيد الحكيم وإسحاق الفياض) بتحريم انتخاب رئيس الوزراء العراقي وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي في الانتخابات البرلمانية التي تجرى اليوم في عموم العراق، جدلا واسعا في الأوساط الشيعية. فرغم المكانة الخاصة التي تتمتع بها المرجعية الدينية بما يجعلها محصنة من النقد واللوم، فإن فتوى النجفي تأتي في وقت قاتل يحشد المالكي فيه من خلال ائتلافه (دولة القانون) للحصول على أكبر قدر من الأصوات بما يسهل له تشكيل الحكومة المقبلة، التي باتت تسمى في الأوساط السياسية والشعبية العراقية الولاية الثالثة. وفيما أعلن آية الله العظمى إسحاق الفياض في بيان له أمس، ما يفيد بوقوف المرجعية على مسافة واحدة من الجميع، وهو ما رأى المراقبون السياسيون في بغداد أنه يؤشر بداية خلاف بين المراجع الأربعة الكبار، فإن قياديي حزب الدعوة بزعامة المالكي المستهدفين بفتوى النجفي راهنوا على موقف المرجع الأعلى السيستاني الذي دعا من وجهة نظر القيادي البارز في الحزب، عبد الحميد الزهيري، إلى الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. ويرى الزهيري أن هذا الموقف «ينسجم مع الأبوة التي تحظى بها المرجعية»، مبينا أن «موقف السيستاني راعى المصلحة العامة». لكن فتوى النجفي بدت منسجمة مع تطلعات ورغبات كتل شيعية منافسة لائتلاف دولة القانون في البيئة الانتخابية نفسها، وهي محافظات الوسط والجنوب. وفي هذا السياق ورغم صمت الصدريين حيال فتوى النجفي، قال سياسي عراقي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، إن «الصدريين وإن كانوا ملتزمين بفتاوى من يقلدونهم من مراجع الدين الشيعة ليس من بينهم النجفي، إلا أنهم على قناعة بأن فتوى النجفي ضد المالكي تصب في مصلحة ائتلاف المواطن التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم». ويضيف السياسي العراقي أن «النجفي هو الأقرب إلى الحكيم وائتلافه، علما بأنه يكاد يكون المرجع الوحيد بين الأربعة الكبار من يتبنى آراء صريحة، وأنه يجد أن الوقوف على مسافة واحدة بات يفسره الفاشلون والفاسدون بأنه لصالحهم أيضا». كتلة المواطن لم تعلق هي الأخرى من خلال قياديين تابعين لها غير أن زعيم المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي الذي دخل الانتخابات مع ائتلاف المواطن أيد من جانبه في مؤتمر صحافي فتوى النجفي بحق المالكي. وقال الجلبي إن «المرجع الشيخ النجفي مهتم منذ سنين طويلة بما يجري في البلاد وهو يتابع الأمور، وقد وجد، حسب تقديري، أن الأمور وصلت إلى مرحلة خطرة على الوضع السياسي الجديد في البلاد والديمقراطية والمرجعية في النجف الأشرف والعراقيين جميعا جراء الفساد والفلتان الأمني والفشل السياسي والظلم في كل مجالات الحياة بعد تغيير النظام المباد». وأضاف الجلبي إن «المرجعية مؤسسة وهي تتحرك بالتنسيق والتفاهم وليس هناك أي خلاف أو فجوة بين المراجع العظام في النجف الأشرف، وأعتقد أن هذا الموقف الذي ظهر من المرجعية نابع من تخوفها على ما يجري في البلاد من استشراء للفساد والحرب والانفلات الأمني والظلم». وأضاف: «لقد ارتكبوا خطأ فادحا كبيرا بالشجار مع المرجعية التي هي محل احترام، وقد حمت الدين والمذهب في البلاد منذ أكثر من ألف عام، ومن يتعدَّ عليها فسيكون جزاؤه الخسران والفشل». من جانبه أكد أستاذ الحوزة العلمية والمقرب من المرجعية الدينية، حيدر الغرابي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المرجعية الدينية العليا هي بمثابة الأب للجميع، سواء كانوا شيعة أم سنة وعموم المسلمين في العراق، وهي حريصة على الجميع، وبالتالي فإنها ومن منطلق وظيفتها الشرعية تدعو الجميع في هذه المرحلة إلى أن يكون توجههم حقيقا باتجاه التغيير، وهو عدم انتخاب من كان مسؤولا عن تردي الأمن والخدمات والاقتصاد وحتى العلاقات الخارجية للبلاد مع محيطه الإقليمي»، مشيرا إلى أن «الأمر واضح بالنسبة للناس حيث إنه في ظل كل هذا الفشل فإن الوقوف على الحياد أو مسافة واحدة لا يعني النظر إلى الصالح والطالح من منظور واحد». وردا على سؤال بشأن فتوى النجفي التي بدت متعارضة مع ما أعلنه السيستاني بدعوة الناس إلى حرية الاختيار مع انتخاب الأصلح، قال الغرابي إن «الفتوى التي أصدرها الشيخ بشير النجفي لا تتعارض مع فتوى السيد السيستاني؛ لأن المراجع الكبار أبدوا منذ تأسيس هذه الحكومة استياءهم من الأوضاع، ودعت منابر الجمعة التي يتولاها معتمدو المرجعية إلى تغيير سياسات الحكومة، لكن من دون طائل، وبالتالي لم تبق سوى الانتخابات وسيلة للتغيير». وأوضح أن «المرجعية على اطلاع على واقع حال البلاد والعباد وتصلهم عبر وكلائهم تقارير مستمرة عن كل شيء، وهم مطلعون على كل ما يجري ورافضون للحالة الراهنة». وأكد أن «الأمور ستتغير، وبودي أن أقول لك إن العالم سيفاجأ برئيس الوزراء المقبل، إذ إن المالكي لن يحصل بعد على الولاية الثالثة بعد هذه المواقف الصريحة من المراجع الكبار».