×
محافظة المنطقة الشرقية

انحسار الطلب على شراء «الحاشي» خوفاً من «كورونا»

صورة الخبر

علامة استفهام كبرى، تبدو جاثمة على صدر واقعنا الراهن، تلقى بظلالها الكئيبة على كل مناحي حياتنا، تخفى وراء أسوارها الشاهقة سيلاً من الأسئلة المتدافعة، قد يكون من المستعصي إفراز إجابات مقنعة عليها في ظل شرذمة فكرية وسلوكية تجتاحنا على مستوى الأفراد والجماعات، في وقت تتآكل فيه كثيراً من العوامل المشتركة، وتتآكل فيه كثيراً من نقاط الالتقاء، على خلفية الفهم الأعوج للحرية والاستقلالية الفكرية. إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يدفعه إلى ذلك جوانب نقص إنسانية تتمثل إما في ضعف، أو في خوف، أو في حاجة، فيتلمس الطريق لسد هذه الثغرات عند آخرين يحيون معه في ذات المحيط، عندهم نفس المشكلة، ويعانون بطبيعة الأمر من جوانب نقص أخرى تتباين ارتفاعاً وانخفاضاً، فيميل هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، بحثاً عن التوافق والتكامل، فتنشأ عن ذلك علاقات اجتماعية بأشكال متعددة، قد تكون أسرية أو إنسانية، أو تجارية أو خلافه، ومن ثم فلا استغناء للفرد عن الجماعة في أي مرحلة من مراحل عمره. وعلى طريق تحقيق الهدف الكبير من وجود الإنسان ككائن اجتماعي متطور على الأرض، تتلقفه بعض النزعات الفردية لإلهائه أو إقصائه عن مهمته الأساسية، فتتنازعه هواجس الأثرة والأنانية وحب الذات، فينحى نحو مسالك أحادية تتعارض مع الصالح العام، من خلال استغلال مقدرات المجتمع وتوظيفها لأهدافه الشخصية، أو الضرب على وتر الشرذمة والتفرق بحثاً على مجد شخصي، أو تشويه الصورة العامة بتسليط الضوء على صغائر السلبيات وغض الطرف عن الايجابيات ولو كانت مثل الجبال صيداً في الماء العكر ومراهنة على التمرد. والواقع أن هذه صور تعبر عن داء عضال يصيب النفس البشرية ويمثل خطراً على المجتمع، إذ يتشرنق كل فرد من أفراده داخل شرنقة الذات وإرضاء النفس، ويحيا في جزيرة منعزلة يفكر لنفسه ويخطط لنفسه ولو كان ذلك ضد صالح المجموع، فتكثر الجزر المنعزلة ومن ثم تتعارض وتتضارب الأهداف، وفى مرحلة ما تتوقف الحياة وتصاب بالشلل وتداهمها شيخوخة مبكرة تصيب الجميع بالعجز والتخلف، ذلك لأن عجلة الحياة لا تمضى على طريق التقدم والرقى إلا بتكاتف وتآلف ووحدة، وإن اختلفت الرؤى وتعددت الفلسفات، لكن تبقى كل الأبصار وكل الجهود موجهة نحو الهدف النهائي وهو تحقيق صالح المجموع. ولذلك كان الدين حكيماً عندما حذر من الأنانية وحب النفس، بل وعلق الفلاح في الدنيا والآخرة على شرط محبة الإنسان لأخيه الإنسان.. قال الله تعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، كذلك نفى الإيمان عن أولئك الذين تمكنت الأنانية منهم..إذ قال المعصوم صلى الله عليه وسلم {لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}، وفى بعض الآراء لا يكتمل إيمان المرء حتى يحب الخير للناس مثلما يحبه لنفسه، وفى كل الأحوال كان الإسلام حريصاً على إقامة علاقات إيجابية بين أفراده من ناحية، وبين أفراده والآخرين من ناحية أخرى، من خلال نشر المحبة والألفة بين الناس وإزالة كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقات بينهم، ولذلك ذم الأنانية، والبخل، والشح، وكل دعوة من شأنها تقطيع الأواصر وهدم العلاقات وتمزيق الوشائج. تجدر الإشارة إلى أن الدعوة إلى الأنانية والفرقة باسم الدين هي دعوة لا يقبلها عاقل لأنها تقوم على فكرة الشرنقة والعزلة عن الواقع، وتكرس لتناثر فرق وجماعات تفكر بطرق متضاربة وتنتهج أساليب متناقضة، ويصل الأمر بعد ذلك إلى التراشق والتناحر الذي يهدد أمن وسلامة المجتمعات، قال الله في كتابه لرسوله، وجميع أفراد الأمة مشتركون معه في الخطاب: {إ ِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }، فليس من المقبول أن يتخذ الدين وسيلة لتفتيت المجتمع إلى فرق وجماعات تحت دعاوى الإصلاح أو التربية أو من شابه ذلك، ومحاولة بناء انتماء مزيف لهذه الجماعة أو تلك يفوق في بعض الأحيان الانتماء للأسرة والمجتمع والوطن. إن الأنانية مرفوضة على مستوى الفرق، كما أنها مرفوضة على مستوى الأفراد، ولذلك فإن التحرر من التعصب للأفكار والأشخاص يعد مطلباً رئيساً في هذا السياق، فكل فكرة لا تعلو على المراجعة والنقد البناء، وكل شخص لا يملك عصمة تحصنه من النقد والتوجيه، بشرط أن يتم ذلك في جو مناسب من ثقافة الحوار الهادف واحترام حق الاختلاف، بغية الوصول إلى نقاط التقاء وعوامل مشتركة.. نحن في أمس الحاجة إلى التحرر من سجن الذات.