حيث تولي المرأة وجهها، فالحياة تسكنها! لا شيء في الكون يستوعب ما تحمله روحها من عطاء. هبطت على الأرض زوجة، ثم أماً، ثم ابنة، ثم توالت الأدوار التي تناط بها، فلم يكن بينها وبين أي منها معيق يثنيها عن الاستمرار في ذلك العطاء. وبرغم أنها نبض الحياة وقوام الأرض، إلا أنها لازالت مقصاة تقبع خلف آراء شائكة تعرقل سيرها نحو التطور وبناء ذاتها أسوة بشريكها الرجل. كلما سارت لتكون ذات شأن عالمي أُغلق عليها باب أسموه عادات وقيما اجتماعية.. عاداتنا وقيمنا لم تكن يوما مغلفة بهذا التزمّت المريض، والالتفاف بعباءة الجهل! وُلِدت المرأة من رحم الأرض لتبقى على صلة بالأرض، كانت تسبق الشمس نحوها تشاطرها الحياة حتى ترافقها في عودتها، كلتاهما اكتسى جبينها بعلامات الفقد للأرض التي يجليها موعد ويوم آخر..المرأة داخلها عالم محلق أكبر من أن تحتكر تحت سقف العادات أو أن توظف وعاءً منتجا لأجيال لا تشارك في بناء مستقبلهم سوى من خلال مهام روتينية في أضيق الحدود تحت وطأة جهلها بحقوقها في تقاسم الحياة الخارجية بما فيها من معطيات تكون فيها أكثر قدرة على الانطلاق إلى آفاق أرحب تسهم في بناء المجتمع.. المرأة ليست أعمدة أسمنتية يستند عليها الرجل ويأوي إليها كل ذي حاجة.. هي حياة ومشاركة لو فتحت لها نافذة لخرجت منها محلقة إلى أمد ربما لا يقوى الرجل على الوصول إليه.. هي حياة من يعي الحياة.. أنا والكثيرات ممن عصفت بهن الحياة وعشن ضنك السنين ووعثاء الألم والانشطار الذي عاشته أرواحنا تشكلت لدينا القوة الداخلية التي خلقت منا نساء ربما مختلفات لا ينظرن إلى الحياة من جانب تظهر فيه أنانيتهن، وكيف لهن أن يحجبن من في طريقهن كي يصلن لهدفهن كما يفعل أولئك الذين جعلوا من عزلنا جسرا يصلون عبره إلى مآربهم، بل لو حق لبعضهم أعادونا إلى زمن الجهل.. ينكرون علينا أبسط ما شرع لنا، متخذين الدين ذريعة، ولا أعلم أي دين يتشدقون به والمرأة لديهم لازالت ذلك المخلوق العورة اسماً وذِكراً؟! ترى الواحد منهم يشيح باسمها ذات اليمين وذات الشمال وكأنها خطيئة لابد أن يتخلص منها! يقولون: إن المرأة هي نصف المجتمع، وفي الحقيقة أراها ما زالت تقبع خلف أسوار المجتمع الخارجية، ترمق نساء العالم وهن يسابقن عقارب ساعاتهن، ومصالحها تحجز في مجتمعاتنا، وتحرم أبسط ما شُرع لها، ليس إلا لأنها أنثى، ولابد من وجود الذّكر إلى جانبها، فإما أن يكون واعيا يسير إلى جانبها، أو ممن يرون أن القوامة هي الدكتاتورية وفرض السلطة الذكورية على ذلك الكائن الضعيف المتمثل في امرأة عانت كثيراً. في مجتمعي ليس لي ذنب سوى أني امرأة، وستبقى المرأة عبر تاريخها تعاني أمام الأسوار الشائكة!