مأساة شعب، سعادةٌ لآخرين، وسورية التي ابتُليت بأسوأ سلطة في تاريخها، واجهت انقسامات داخلية تدور في ألف حلقة، وتدين بالولاء لدول ومنظمات، وهو تراكم هائل منذ أن تولى العسكر الحكومة بديلاً عن المدنيين، ولم يكن هناك في جميع سلطات العالم الجمهورية توريث للحكم إلا في كوريا الشمالية، وسورية، وهما الظاهرتان الفريدتان في كل شيء، ومأساة سورية الأخرى انقسام عربي متوارث يتفرج ساسته على جراح بعضهم، وقد تحولت الجامعة العربية إلى منتدى للشتيمة والثارات الشخصية وصارت اجتماعات القمة مجرد فرض كفاية يتعارك فيها الخصوم وتبرز الصورة السيئة لأمة تعيش متقاعدة عن منافذ التطور والتعاضد ولو على الحدود الدنيا من التعاون الاقتصادي.. ثالثة مآسي سورية هي تنازع دوليّ أعادنا لصراعات الثنائية القديمة بين السوفيات والغرب، حيث إن روسيا عرفت كيف تستفيد من فراغ سياسي وعسكري لحلف الأطلسي بأن تجعل من سورية منفذ قوتها، ولتُلحق أوكرانيا بها، وهما أصعب اختبار ما بعد الحرب الباردة لوضع الغرب في خانته الطبيعية والحقيقية أمام مراكز النفوذ.. الأسد سوف يستمر برمي (براميل) الغازات السامة، وسوف يتوج رئيساً بتصويت يصل لآخر رقم عرفه العرب في انتخاباتهم أو معجزة ال99، وستبارك روسيا والصين النتيجة، وعلى إثرها ستزيد صلاحيات الرئيس بالقتل مستعيناً بالشركاء والحلفاء والمحاربين من طوائف لبنان والعراق، واليمن، والسعادة ستطغى على مآسي القتلى والمهجرين ومن يعانقون الموت في كل حي وزاوية سورية.. الأضحوكة العالمية أن قوانين حقوق الشعوب والإنسان، ومنظمة الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، أدوات تحركها القوى الكبرى وفق رغبتها، ومن يعتقد أن ما يجري من تصريحات أو اجتماعات وتحقيقات حول انتهاكات الحقوق يمكن أن يترجم لفعل، فهو كعليل السرطان الذي يتمنى الشفاء العاجل من موت قريب منه.. من يتحكم بالقرار الداخلي السوري ليس النظام، بل هو أداة لأداء دور سبق أن أُعد ورتب من أزمنة بعيدة، حيث لم تعش إسرائيل استقراراً عاماً مع الجبهة السورية طيلة تاريخها إلا من خلال نظام الأسد الذي كفل لها ألا تطلق رصاصة واحدة من حدوده، والبند الآخر قلاقل لبنان وحروبه وإنشاء حزب الله وتقويته بخطط بدأت من دمشق ودعمت من إيران والعراق، ولايزال هذا البلد رهن واقع خطر قابل للانفجار في أي لحظة، ثم هناك حلف الطوائف الذي جرى ترتيبه ما بين عراق المالكي والولي الفقيه ونصر لبنان، ولذلك فإن إدارة حرب المد والجزر، وإعطاء شرعية لداعش والنصرة وبقية المليشيات التي تنقسم وتتوالد، جاءت كجزء من لعبة الكبار، تماماً كما كان الشرق يدير منظماته، والغرب يدير مؤامراته التي أسقطت القوة المواجهة.. ستستمر الحرب السورية سنوات طويلة، وحتى الآن تقول التقارير إن إعادة بنائها تحتاج لأكثر من مئتي مليار دولار، وضعفها ربما لعلاج المرضى ممن عاشوا الحرب وتداعياتها، والنهايات السعيدة بعيدة ما دامت طاحونة الموت قائمة..