برغم أن الرياض هذه الأيام باردة ترتجف من لفحات هوائها المثلج، إلا أنها تستطيع أن تقاوم ذلك بسخونة ما يسري في عروقها من ضجيج الحياة والأحداث المتلاحقة. الرياض تتغلب على برودة طقسها، بسخونة ما يجتاحها من أحداث متقدة، مثل قطع المملكة علاقتها بإيران إثر موقفها العدائي من المملكة، وتنفيذ حكم الإعدام في عدد من الإرهابيين، وصدور الميزانية بوجه يحمل بوادر التكيف مع تحديات المستقبل، رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والماء وإضافة رسوم جديدة، الأصداء الإيجابية لكلمة الأمير محمد بن سلمان في ورش برنامج التحول الوطني، وما أشارت إليه من بوادر التحول من مجتمع الترف والاتكالية إلى مجتمع العمل والكفاح، وغيرها من عشرات الأخبار المثيرة والساخنة، تبث دفئها في زوايا المدينة الباردة. في برد الرياض يستعين الناس على تدفئة أنفسهم بزيادة درجة سخونة النقاش فيما بينهم، فقد وجدوا أنهم حين يتصارعون ويتبادلون اللكمات اللفظية أثناء نقاشهم حول تنبؤاتهم بما تحمله لهم التحولات المستقبلية، يمدون أجسامهم بطاقة حرارية مجانية، تدفئهم دون أن تكلفهم هللة واحدة، ذاك خير لهم من تشغيل تدفئة كهربائية تصيب قلوبهم بصعقة (فاتورية). اختلف المتناقشون حول ما نحن في حاجة إليه أكثر، هل نحن في حاجة أكثر إلى دعم الدخل العام من خلال الرسوم فقط، أم نحتاج أيضا إلى تنمية مصادر دخل عامة من خلال تأسيس دولة الإنتاج بدلا من دولة الريع؟ ومع ذلك، لم تكن نقاشات الناس كلها في درجة واحدة من السخونة، بعضهم يفضل النقاش على نار هادئة، إلا أن كل أشكال الخطاب المتشظية في زوايا المدينة وعلى شاشات أجهزة التقنية أو وراء جدران المقاهي وأمام (شبات الضو) تحت نجوم الليل، كلها في نهاية أمرها تتحول إلى مجرد وقود يشعل ما يطفو على السطح من أفكار تتماوج داخل الصدور.