×
محافظة مكة المكرمة

مصرع وإصابة 3 بحادث انقلاب بالقنفذة

صورة الخبر

بسحر ساحر قلبت الصحافة السعودية المعادلة العالمية المتداولة عن «تراجع توزيع الصحف والمجلات الورقية وتحوله إلى الانتشار الرقمي الإلكتروني». معظم صحف العالم تشكو انحسار التوزيع، وهو أمر غير معيب في عصر الإنترنت الذي اكتسح عالم الإعلام والاتصالات والتواصل الاجتماعي. الصحافة السعودية لم تنحن للعاصفة، بل قبلت التحدي. وهو تحد يعتمد في شق منه على ثقافتنا الورقية في السياسة والتعليم والأدب. فنحن العرب اعتدنا على الصحيفة أو المجلة الورقية أو الكتاب الورقي، فأنا لا أتخيل نفسي أشرب شاي الصباح مع الإنترنت، لكنني أستمتع بالإفطار وبين يدي مجموعة صحف اعتدت قراءتها كل صباح. ملمس الورق والصور المطبوعة عليه ورائحة الحبر وأناقة العناوين والتصاميم هي سلاح الصحافة الورقية أمام اليوتيوب والجوجل والتويتر وتغريد البشر. لقد ارتفعت معدلات توزيع الصحف المصرية خلال العام الأخير بشكل لافت بعد طول تراجع. وأسهمت في هذه الظاهرة الصحف الخاصة التي أشعلت المنافسة مع صحف القطاع العام. القارئ هو المستفيد حتى لو زاد سعر الصحيفة من جنيه واحد إلى جنيه ونصف. وتنامى في الوقت نفسه التعامل مع الإنترنت على الرغم من سوء الخدمة وبطئها. أسعدني حقاً ما قرأته في صحيفة «الرياض» عن تحقيق «مؤسسة اليمامة»، وهي أعرق مؤسسة صحفية سعودية، أرباحاً مليونية (على غرار المظاهرات المليونية والزيارات المليونية). هناك صحف عالمية في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا تخسر باستمرار، وتضطر في النهاية إلى بيع أصولها المنقولة وغير المنقولة، أو التشارك مع مؤسسات صحفية أخرى، أو التحول إلى الإنترنت. وهناك صحف ومجلات تعاني الكثير من تدبير رواتب منتسبيها، بينما تصرف مؤسسة اليمامة – مثلاً – ما يمثل 17 مرتباً سنوياً لمنتسبيها، بالإضافة إلى ما تقدمه من دعم للأنشطة الخيرية والاجتماعية والثقافية والصحية والرياضية. إنها حالة مشرقة، ومشرفة، حين تؤدي الصحافة رسالتها الإعلامية ودورها الاجتماعي وهدفها التنويري بأفضل ما يمكن. نعم بالإمكان أن يكون الأداء أفضل باستيعاب تقنيات العصر وفكره وأحلامه وتحدياته، لكن ما تحقق ليس فخراً للصحافة السعودية فقط، إنه فخر للصحافة العربية كلها التي ازدهرت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، قبل أن تشملها عدوى الانتكاسات السياسية. وأنا اخترت الحديث عن صحيفة «الرياض» لأنني قرأت في أحد أعدادها الأخيرة عن الاجتماع السنوي لجمعيتها العمومية. وهي إحدى ثلاث صحف عربية أشتريها كل يوم في القاهرة بالإضافة إلى صحف مصرية. «الشرق الأوسط» و«الحياة» اسمان بارزان أيضاً في عالم الصحافة العربية، وفاجأتنا «الشرق الأوسط» بطبعتها الإلكترونية الصينية! وأنا أحسد كاتبنا العراقي الساخر خالد القشطيني لأن الرفاق في الصين صاروا يقرأون مقالاته! وأحلم بيوم تُصدر فيه مجلة «اليمامة» طبعة باللغة الصينية ليقرأ الرفاق مقالاتي! كنت قد نجحت في الثمانينيات في إلغاء عبارة «التتمة على صفحة كذا» من الصفحة الأولى في صحيفة «الجمهورية» البغدادية حين كنت مديراً لتحريرها. لجأت إلى اختصار الخبر ونشره على الصفحة الأولى أو تحويله كله إلى صفحة داخلية. ورفضت نشر افتتاحيات «تريلة» تأخذ نصف الصفحة الأولى وصفحة داخلية لأن أحداً لم يعد يقرأ هذا النوع من الافتتاحيات. افتتاحيات غسان تويني وميشال أبو جودة في «النهار» اللبنانية، وكامل مروة في «الحياة» وسعيد فريحة في «الأنوار» لا تزيد عن خمسمائة كلمة في الصفحة الأولى. وفي الاستثناء، إذا طالت عن ذلك، تنشر كاملة على الصفحة الثالثة مع إشارة صغيرة إليها على الصفحة الأولى. وحسناً يفعل الكاتب يوسف الكويليت في افتتاحية «الرياض» في اختصار الافتتاحية إلى حدود ثلاثمائة كلمة. وحبذا لو اختصرها أكثر لتنشر كاملة على الصفحة الأولى بدون تتمة. وهي فرصة أوجه فيها التحية إليه على قراءته السليمة للأوضاع المأساوية والطائفية في العراق. هذا الحديث مستوحى، كما أشرت، من اجتماع الجمعية العمومية لمؤسسة «اليمامة». ولذلك وجب التنويه لأنني لم أسترسل في الحديث عن المؤسسات الصحفية السعودية الأخرى، التي تقدم نماذج راقية لصحافة عربية حرة ومسؤولة، ومن بينها طبعاً مجلة «اليمامة» ذات التاريخ الطويل التي أتشرف بالكتابة فيها. وأريد أن أتوقف قليلاً في الختام عند «الهليل» رسام الكاريكاتير في «الرياض»، فهذا الفنان يمتلك موهبة متميزة وخطوطاً مميزة، فضلاً عن أفكار الرسوم ذات الدم الخفيف. وأنا أنصحه فقط بتقليل الكلام لأن الكاريكاتير لا يتحمل الشرح الطويل. وشكرا له على كل حال لأنه يرسم البسمة على وجوهنا كل صباح.