أصبحت أمراض واضطرابات النوم من التخصصات الطبية الحديثة التي فرضت نفسها في مجالات الأبحاث العلمية الطبية والتي طورت سبل التشخيص والعلاج للمرضى الذين يعانون من مشاكل النوم المختلفة وما يصاحبها من مضاعفات. وحيث أنه يعاني ما يزيد على 30% من الذين تجاوزوا سن الأربعين في المجتمع السعودي من بعض أعراض متلازمة انسداد مجرى التنفس أثناء النوم والتي تعرف بأنها أكثر أمراض النوم شيوعاً، والتي من المعلوم أن أعراضها تختلف من شخص لآخر، ومن تلك الأعراض زيادة النعاس والإحساس بالكسل في فترات النهار وعدم أخذ الكفاية من النوم مع الشخير والاستيقاظ المتكرر أثناء النوم الذي يصاحبه الشعور بالشرقة أحياناً، وكذلك زيادة الوزن وازدياد خطر الاصابة بالأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري. ولتوقف التنفس اثناء النوم مضاعفات عضوية كثيرة مثبتة علميا مثل ارتفاع ضغط الدم ومقاومة الجسم للأنسولين وتصلب الشرايين وغيرها مما نناقشه في هذه العيادة. وقد أظهرت الأبحاث العلمية الحديثة تأثيراً سيئاً لتوقف التنفس اثناء على أحد أعضاء الجسم المهمة وهي العينان. وهذا مجال بحثي جديد بدأت تتكشف نتائجه حديثا. وسنناقش في عيادة اليوم تأثير توقف التنفس اثناء النوم على العينين. التغيرات التي قد تصيب العين عند المصابين بتوقف التنفس اثناء النوم: أظهرت الأبحاث الحديثة أن نسبة من المرضى المصابين بتوقف التنفس اثناء النوم قد يعانون من مشاكل في العين مصاحبة لمتلازمة انسداد مجرى التنفس. متلازمة الجفن المرن: ومن المشاكل التي تصيب العين وأكثرها حدوثاً ما يعرف بمتلازمة الجفن المرن, والتي تظهر أعراضها على هؤلاء المرضى في هيئة إفرازات العين المستمرة مع تورم جفن العين وفي أحيانٍ كثيرة يشتكي المريض من جفاف واحمرار العين وسهولة انقلاب الجفن للخارج (كما يظهر في الصورة), ويعود السبب في ذلك إلى أن المريض يعاني في أثناء انقطاع النفس مما يؤدي إلى تحريك وفرك الوجه بالوسادة وبالتالي زيادة احتقان أحد الجفنين أو كلاهما وتفاقم هذه المشكلة مع الوقت. كما أنه قد يحدث ضعف في مادة الكولاجين التي تدعم أنسجة الجفن بسبب النقص المتكرر للأكسجين. الماء الأزرق (الجلوكوما): كما أن المياه الزرقاء والناتجة عن ارتفاع ضغط العين هي من المشاكل الصحية التي ثبت علمياً أنها تصيب ما يقارب 6 %من مرضى متلازمة انسداد مجرى التنفس في أثناء النوم وما يصاحبها من نقص في مستوى الأكسجين, وبالتالي التغير المستمر في مستوى ضغط العين, والذي من أعراضه تناقص مجال الرؤية بالتدريج ابتداءً من الأطراف، مما قد يؤخر اكتشاف المشكلة حتى مراحل متأخرة وعادة ما يكون ذلك عن طريق اجراء الفحص الطبي من قبل اختصاصي العيون. القرنية المخروطية: تحمل القرنية عادة شكل القبة ولكن في بعض الحالات، تضعف أنسجة القرنية ويتبرز القرنية للأمام في شكل يشبه المخروط وتعرف هذه الحالة بالقرنية المخروطية. وتكون هذه الحالة وراثية في أكثر الحالات. ولكن الأبحاث الحديثة أظهرت أن توقف التنفس اثناء النوم قد يسبب القرنية المخروطية نتيجة لضعف أنسجة الكولاجين الداعمة للقرنية. وتؤثر هذه الحالة على حدة النظر وقد يحتاج المصاب لعدسات مصححة للنظر وفي بعض الحالات قد يحتاج المرضى لزراعة القرنية. تأثير علاج توقف التنفس أثناء النوم على التغيرات في العين: وحيث أن العلاج الأمثل لمتلازمة انسداد مجرى التنفس في أثناء النوم هو جهاز ضغط الهواء الموجب (السيباب)، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن استخدام الجهاز وبشكل منتظم يؤثر إيجاباً على متلازمة الجفن المرن وحالات المياه الزرقاء في هؤلاء المرضى مما ينتج عنه تحسن في الأعراض عموماً ومن ذلك استعادة النظر في عدد من مرضى المياه الزرقاء الذين لم يستجيبوا للعلاج بالأدوية أو التدخلات الجراحية، وبالتالي فان استخدام الجهاز بجانب الادوية الموضعية التي تساعد في ترطيب العين هي طريقة العلاج المتبعة والتي عادة ما تعطي نتائج مُرضِية في غالبية المرضى، لكن البعض قد يحتاج عند عدم الاستجابة للتدخل الجراحي من أطباء العيون. ولا يخلو استخدام جهاز الضغط الموجب من المضاعفات التي قد تصيب العين مثل جفاف العين والقرنية المخروطية نتيجة لتسريب الهواء من أطراف القناع باتجاه احدى العينين أو كلاهما، ويتم تفادي ذلك باستخدام الحجم المناسب للقناع وارتدائه بالطريقة الصحيحة، كما أنه يمكننا اضافة القطرات أو المراهم المرطبة للعين أو الأغطية التي تمنع وصول الهواء للعين أثناء استخدام الجهاز، ولعلاج القرنية المخروطية يتم تحويل المريض لاختصاصي أمراض العيون لتقرير ما يحتاجه المريض كزراعة القرنية مثلاً. ومن المعلوم أيضاً أن جسم الإنسان عموماً وكل خلية فيه تخضع لنظام الساعة البيولوجية والتي تقارب مدتها 24 ساعة، ويتحكم نظام الساعة البيولوجية في جسم الإنسان في عدد من الوظائف الفسيولوجية مثل النوم ودرجة حرارة الجسم وبعض الهرمونات وغيرها من الوظائف الأخرى، وتتأثر الساعة البيولوجية للإنسان بالعوامل المحيطة به، ومن تلك العوامل وأقواها تأثيراً الضوء، الذي يتم التفاعل معه في مستقبلات خاصة في شبكية العين, وحيث أن 10% من مرضى العمى يفتقدون لهذه الخلايا؛ فان ذلك يؤدي إلى عدم توافق بين الساعة البيولوجية للمريض مع نظام الليل والنهار وبالتالي يكونون عرضة للاصابة بما يعرف باضطراب ايقاع الساعة البيولوجية (Non-24-hour sleep–wake disorder) أكثر من المرضى الفاقدين للبصر الذين ماتزال هذه الخلايا تتفاعل مع الضوء فيهم، وبذلك نجد أنهم يعانون من عدم انتظام النوم مما يجعلهم ينامون ويستيقظون في أوقات غير منتظمة مع الجدول الزمني. وبالتالي ما ينتج عن ذلك من تبعات افتقاد التوافق مع المجتمع المحيط والأسرة وأمور الحياة المختلفة بما في ذلك الحالة النفسية، ويحتاج هؤلاء المرضى لمساعدتهم لاستعادة التوافق مع النظام الزمني واستعادة ضبط الساعة الزمنية وذلك من خلال: • إتباع طرق النوم السليمة في اختيار الوقت والغرفة المناسبة للنوم والتي تخلو من المثيرات والضوضاء بمختلف أشكالها. • والمداومة على أذكار النوم والاستيقاظ في وقت محدد وثابت. • كل هذا مع استخدام الأدوية التي كان آخرها ظهوراً والحاصل على موافقة جمعية الغذاء والدواء الأمريكية بداية هذا العام 2014 (تازيميليتيون) والذي يعمل من خلال مستقبلات هرمون الميلاتونين للمساعدة في جعل فترات نوم واستيقاظ المريض أشبه بالطبيعية، كما أن دواء الميلاتونين يؤدي الوظيفة بفاعلية أقل. ولا يزال مجال ارتباط أمراض العين باضطرابات النوم فيه الكثير مما تم التعرف عليه ولا يتسع المجال لذكره ومن المؤكد أن هنالك ما ستأتي قادم الأيام لتثبته لنا. نفعنا الله جميعاً بما علمنا وشفى مرضانا ومرضى المسلمين والله أعلم. * طبيب أمراض صدرية وطب النوم