مع بدء مئات الأسرى الفلسطينيين إضرابهم عن الطعام في 17 نيسان (أبريل) الجاري، برزت أسئلة مشروعة حول إمكان تحقيق أهداف الإضراب وإمكان تدويل قضية الأسرى، في وقت أدارت فيه إسرائيل ظهرها لكافة القوانين والاتفاقات الدولية وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، إذ يتضمن الملحق الأول نصاً واضحاً لحماية المدنيين في زمن الحرب فضلاً عن حماية المدنيين وحماية من يقع في قبضة العدو. لكن إسرائيل التي وقّعت اتفاقية جنيف الرابعة، لا تعتبر أنها تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ إن إسرائيل ومع بداية احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كانت قد اعتبرت أن الاتفاقية تطبق، إلا أنها سارعت لإلغائها عام 1967 من خلال إصدار أمر عسكري يبطل استعمالها، وبالتالي اعتبرت قوانينها العسكرية نافذة لحماية أمنها الداخلي، وتبعاً لذلك عينت حاكماً عسكرياً لكل من الضفة والقطاع. وتشير منظمات حقوقية إلى أن الأسرى الفلسطينيين خاضوا عشرات الإضرابات عن الطعام منذ عام 1967، وكان سجن عسقلان شهد في تموز (يوليو) 1970 أول إضراب جماعي ومنظم يخوضه الأسرى، واستشهد خلاله الأسير عبدالقادر أبو الفحم الذي يُعتبر أول شهداء الإضرابات عن الطعام. وأحدث هذا الإضراب وهذه الشهادة تأثيراً كبيراً في واقع الحركة الأسيرة في السجون الإسرائيلية في ما بعد، وشكّل حافزاً للأسرى للاستمرار على ذات النهج، فتوالت الإضرابات بعد ذلك في إطار كفاح الحركة الأسيرة، وقدم خلالها الأسرى تضحيات كبيرة وسقط منهم شهداء: راسم حلاوة وعلي الجعفري وإسحق مراغة وحسين عبيدات. ويعتبر الإضراب المفتوح عن الطعام الذي يشارك فيه مئات الأسرى الفلسطينيين منذ أيام عدة امتداداً طبيعياً لتحركات ونضالات الحركة الأسيرة، بغية تحقيق عدة أهداف يكفلها القانون الدولي، وفي مقدمتها وقف سياسة العزل الانفرادي والاعتقال الإداري وتوفير الطبابة المناسبة للمرضى من الأسرى، ناهيك عن السماح لأهلهم بزيارتهم في شكل دوري وتأمين صحف يومية لهم لمتابعة الأحداث، إضافة إلى استكمال التحصيل العلمي، والأهم من ذلك مطالبة الحركة الأسيرة بتدويل قضيتهم التي كفلتها القوانين والشرائع الدولية. على رغم مطالب الأسرى المحقة فرضت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية إجراءات عقابية لمواجهة الأسرى المضربين عن الطعام، ولا سيما قادة الإضراب، منذ اليوم الأول للإضراب، ومن بين تلك الإجراءات: نقل الأسرى المستمرين في الإضراب وعزلهم انفرادياً، وتحويل بعض الأقسام إلى أقسام عزل جماعية، بعد مصادرة ممتلكاتهم وملابسهم والإبقاء على الملابس التي يرتدونها فقط، وحرمانهم من مشاهدة التلفزيون والاطّلاع على الأوضاع خارج جدران السّجن ومنع زياراتهم أيضاً. وبهذا تنتهك إسرائيل القوانين الدولية، وبخاصة ما يتعلق بممارسة التعذيب الجسدي والنفسي، وأماكن الاحتجاز، وحقوق المعتقلين والأسرى داخل السجون، والمحاكمات غير العادلة أصلاً. ففي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص المادة الخامسة على أنه «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المس بالكرامة». وتنص المادة التاسعة على أنه «لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً»، وللدلالة أكثر على عنجهية إسرائيل، فهي لا تزال تعتقل 6500 فلسطيني في عشرات السجون ومراكز التوقيف، إضافة إلى مئات كمعتقلين إداريين بحجة وجود ملف سري بحقهم، وبذلك تخالف إسرائيل القانون الدولي لحقوق الإنسان، ففي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تتناول المادة التاسعـة منه الحقوق والآليات التي يجب أن تتبعها الدول في عملية الاعتقال والتوقيف، ولكن إسرائيل كدولة محتلة للضفة الغربية بما فيها القدس لا تطبق الآليات المنصوص عليها في هذا العهد على الإطلاق. وكذلك أدارت إسرائيل ظهرها لاتفاقية مناهضة التعذيب التي أشارت المادتان الأولى والثانية منها إلى تعريف التعذيب وضروب المعاملة أو العقوبة القاسية وعدم جواز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت سواء كانت حالة حرب أو تهديد بالحرب أو عدم استقرار سياسي أو حالة طوارئ لاستخدامها مبرراً للتعذيب. يبقى القول إنه على رغم أهمية ورمزية الإضراب المفتوح الذي يخوضه الأسرى الفلسطينيون منذ أيام عدة لتحقيق رزمة من الأهداف الإنسانية، لكن ثمة مخاوف حقيقية من إمكان قيام إسرائيل بكسر الإضراب، وتالياً عدم نيل الأسرى حقوقهم، والأمر الذي يشي بذلك تشتت الحركة الأسيرة ومشاركة 1500 أسير فلسطيني فقط في الإضراب من إجمالي عدد الأسرى الفلسطينيين والبالغ 6500 أسير، على رغم الدعم اللفظي من كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني للإضراب، وسبب ذلك هو الانقسام الفلسطيني المديد من جهة والتشظيات التي شهدتها حركة «فتح» خلال السنوات الأخيرة من جهة أخرى. * كاتب فلسطيني