أعرف منطقة برج البراجنة التي حدث فيها التفجيران الانتحاريان اللذان راح ضحيتهما عشرات الأبرياء، وهي منطقة أسواق شعبية يرتادها في العادة الفقراء ومتوسطو الأحوال الذين ليسوا بالضرورة مرتبطين بحزب الله ومغامراته المجنونة، ولأن الفقراء غالبا هم من يدفع الثمن فقد تعرضت هذه المنطقة للعديد من الاشتباكات خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وها هي اليوم تتحول إلى إحدى ساحات الاشتباك الأسود بين داعش وحزب الله. والأبرياء الذي سقطوا في هذه العملية الإجرامية مثلهم مثل مئات الأبرياء الذين سقطوا في عمليات إرهابية مشابهة في السعودية والعراق وسوريا ومصر، لا يعرفون لماذا تم استهدافهم بهذه الطريقة الوحشية بينما كانوا يتسوقون أو يصلون أو يعبرون الطريق باتجاه بيوتهم، ولكنهم في الحالة البيروتية لا يستطيعون التخلص -حتى أثناء موتهم وتفحم جثثهم- من دائرة اللوم لتواجدهم في مكان يقع داخل نطاق نفوذ حزب الله وكأن المسألة كانت باختيارهم!. لقد ورط حزب الله لبنان ورطة عظيمة لا يعلم نهايتها إلا الله، واليوم يبدو من المستحيل أن ينتهي تدخله العسكري السافر في سوريا -رغما عن أنف كل اللبنانين- إلا بدخول لبنان نفسه في دائرة الدم المهلكة التي يعيشها السوريون، فالطريق الذي سلكه مقاتلو حزب الله باتجاه سوريا لقتل الأبرياء دفاعا عن كرسي بشار الأسد وتنفيذا لتعليمات خامنئي، هو ذاته الطريق الذي سوف يسلكه آلاف -وليس مئات- المقاتلين القادمين من الأراضي السورية إلى لبنان لنشر الفوضى والخراب، ويومها لن يستطيع بشار الأسد إنقاذ لبنان، أما خامئني فإنه في أحسن الأحوال سوف يجد الفرصة مناسبة لوضع المزيد من الأقدام الإيرانية على الأرض اللبنانية وإدارة الحرب الطائفية المدمرة من طهران. من المؤلم حقا أن نقول بأن لبنان بلد الحرية والجمال يقف على أعتاب مرحلة دامية تشبه الحالة المرعبة التي تعيشها سوريا اليوم بل قد تكون أسوأ منها لأنها تتداخل معها وتبدأ من حيث انتهت في عوالم الإرهاب والحرق والتدمير والتفجير والتصفيات المصورة بالفيديو، سوف ترفع بيارق الانتقام المجنونة في كل شوارع بيروت فيموت الأبرياء في الشوارع كي يبقى أصحاب البيارق يبيعون ويشترون في منتصف الساحة. لا شيء ينقذ لبنان اليوم من هذا المصير المجنون الذي ينتظره سوى الانسحاب الفوري لمقاتلي حزب الله من سوريا، فلا توجد دولة في العالم قادرة على مواجهة الإرهاب في الوقت الذي تعيش فيه تحت هيمنة تنظيم إرهابي آخر أكبر منها يتخذ قرارات الحرب والمواجهة دون أن يكلف نفسه حتى بإبلاغها، ولكن كيف يمكن إجبار حزب الله على الخروج من سوريا واحترام سيادة الدولة اللبنانية بينما هذه الدولة نفسها بلا رئيس وبلا حكومة حقيقية قادرة على التصرف بحرية دون وصاية حزب الله الذي يخضع للوصاية الإيرانية؟.. هذه هي مأساة لبنان الحقيقية التي لم تبدأ بعد!.