بعد القصف الأمريكي بـ"التوماهوك" لقاعدة الشعيرات السورية، وتنفيذ عملية "أم القنابل" على جبال أفغانستان الدولة ذات الحدود المشتركة مع إيران، تثق إيران بأن العاصفة قادمة، فأمريكا جادة جداً في حماية مصالحها؛ في ظل إدارة أمريكية تثق في الجنرالات المعادين لإيران، كما أنها لم تعد ترى في روسيا حليفاً منقذاً من الوعيد الأمريكي،؛ فموسكو لم تنقذ "بشار" من غضب "ترامب"، وبالتالي لن تستطيع حماية طهران المتهمة بأنها الدولة الأولى المصدّرة للإرهاب في العالم. أمريكا والهلال الشيعي النوايا الأمريكية تجاه طهران كانت واضحة، فقد أكد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي أيه" مايكل بومبيو، أن تهديد إيران وتعدياتها زادت بعد الاتفاق النووي الذي وقعه الغرب معها، منتصف ٢٠١٥، مشيراً إلى أن طهران تقترب اليوم من تحقيق الهلال الشيعي الذي لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة. بحث سري ففي محاضرة استضافها معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية، الجمعة، قال "بومبيو": إن الإيرانيين يتقدمون، وطوّروا القدرة الصاروخية لـ"حزب الله" ضد "إسرائيل"، ولهم مليشيات شيعية في الموصل، ويدعمون الحوثيين الذين يستهدفون السعودية بصواريخ، كما زادت تعدياتهم في شكل درامي منذ توقيع الاتفاق النووي بينهم وبين الدول الكبرى خلال عهد "أوباما"، وفيما يُبدي الرئيس "ترامب" تحفظات كبيرة على الاتفاق، رفض "بومبيو" التعليق على مصيره، وما إذا كانت هناك خروق من طهران، وقال: هذه أمور نبحثها سراً مع الرئيس ترامب". إيران لاحظت وأشار إلى أنه وضع استراتيجية للتصدي لطهران تعتمد بداية على التعاون مع الشركاء الإقليميين، خصوصاً في دول الخليج، وكذلك مع "إسرائيل" والأوروبيين الذين يشعرون بتهديد إيران أيضاً، وفي تلميح إلى أن الحضور الأمريكي العسكري المتصاعد لإدارة "ترامب" في المنطقة يتضمن رسالة إلى إيران قال "بومبيو": "الأكيد أن إيران لاحظت العمل العسكري الذي نفّذناه في سوريا"، مبدياً ثقته بمعلومات الوكالة عن مسؤولية نظام الرئيس السوري بشار الأسد عن الهجوم الكيماوي في بلدة خان شيخون؛ فهذه ليست حقائق مصطنعة كما تقول روسيا ودمشق". روسيا والحقيقة! وذكّر "بومبيو" بالمواقف السابقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شأن نفيه أي رابط بين تحطّم الطائرة الماليزية في شرق أوكرانيا والمقاتلين الذين تدعمهم روسيا، وقوله إنه لا وجود للجيش الأخضر الروسي في أوكرانيا، معتبراً أن "بوتين" "ليس لديه اعتبار لكلمة الحقيقة بالإنجليزية". وقف تصدير الثورة وانعكست التطورات المتسارعة في المنطقة على الوضع في طهران؛ حيث كشف إبراهيم رئيس مرشح المتشددين في إيران، والذي يتوقع أن يفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة وجود قناعة لدى المحافظين الذين يسيطرون على أبرز المؤسسات بأن من مصلحة إيران الانكفاء على قضاياها الداخلية، والتوقف عن استراتيجية تصدير الثورة التي جلبت الكثير من الأعداء لطهران. رغبة في التهدئة وأعلن "رئيس" عزمه التواصل مع كل الدول شرط الاحترام المتبادل مع كل دول العالم باستثناء ما أسماه "الصهيونية"، وهو تصريح اعتبره مراقبون رغبة من المتشددين في التهدئة مع الولايات المتحدة ودول الخليج، والسعي لامتصاص حالة التعبئة ضد إيران، والتي ينتظر أن تقوى مع تشكيل تحالف عربي أمريكي لوقف التمدد الإيراني في مختلف الملفات الإقليمية. خرج من يد إيران وأكد مرشح المتشددين أنّ القوى الأجنبية في سوريا ستشكّل دائماً مشكلة وليست حلاً، وأن الحل يجب أن يكون من قبل السوريين، مشدداً على أنّ القوى الأجنبية لم تحلّ أي مشكلة من المشكلات التي تعاني منها سوريا، واعتبر المراقبون أن هذا التصريح فيه اعتراف بأن الملف السوري خرج من يد إيران التي فتح تدخلها لدعم بقاء الرئيس السوري بشار الأسد الطريق أمام التدخلات الإقليمية والدولية في الأزمة السورية. تفادي المواجهة ويُعتقد على نطاق واسع أن المرشحين للرئاسة الإيرانية، وعلى عكس سابقيهم، سيعملون على بعث رسالة تهدئة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والاستمرار بخطاب التهدئة مع دول الخليج، وخاصة مع السعودية؛ للحيلولة دون استدراج إيران إلى مواجهة عسكرية قد لا تكون لصالحها. وبدا المرشح الأكثر حظوظاً للفوز بالانتخابات الرئاسية في إيران المقررة الشهر المقبل، مهتماً بمعالجة الأزمات الداخلية المعقدة أكثر من الاستمرار بخيار تصدير الثورة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد. تغيير جذري وخلال بيان نشره على موقعه الرسمي، أعلن "رئيس" أنه "لا يمكننا حلّ المشكلات التي تواجه البلاد؛ مثل الركود والبطالة والعقبات التي تعرقل نشاط الشركات الإيرانية إلا من خلال إحداث تغيير جذري في صلب النظام". وحاول "رئيس" التمايز عن كل التشكيلات السياسية عندما قال إنه مرشح جميع الإيرانيين، مشدداً على ضرورة الاهتمام بالطبقات المحرومة، خصوصاً عبر استحداث وظائف في الوقت الذي وصلت فيه نسبة البطالة إلى 12.4% من السكان". المتواضع والأرستقراطي! وقال العضو في الحزب المحافظ "الائتلاف الإسلامي"، حامد رضا طرقي، إن "رئيس" يعيش حياة متواضعة، ويهتمّ بالفقراء والطبقات المحرومة، بخلاف "روحاني" الذي يبدو أرستقراطياً مقارنة به". لا ثقة بتصريحاتهم ولا تثق دول الخليج والدول العربية بأي تصريحات إيرانية للتهدئة، ففي عهد الرئيس حسن روحاني الملقب بالإصلاحي تمددت إيران في أربع عواصم عربية، وما زالت تواصل مجازرها في سوريا، لكن الاستدارة الأمريكية وتعهدها بضرب النفوذ الإيراني في المنطقة، وبدء تشكيل جبهة عربية موحدة لمواجهة التمدد الإيراني هي سبب التصريحات المهادنة الحالية، وهو ما يعني أن إيران تنحني تكتيكياً للعاصفة.