×
محافظة المنطقة الشرقية

التحولات العالمية توفر فرص عمل جديدة للسعوديين

صورة الخبر

مطاردة عاطفية في ليل بوينس أيريس للفوز بقلب فتاة يمثِّل عالم الليل وما يحدث فيه فضاء يشد الكثير من الكتَّاب لنسجِ القصص والمسارات السردية حول مآلاته، لكنه يتخذُّ عند الكاتب الأرجنتيني بيدرو ميرال في روايته “ليلة مع صابرينا” المترجمة إلى العربية حالة أخرى تقوم على التناظر والتضاد واختراق المُباح ضمن عالم الممكن الذي يعيش فيه الأبطال، حكايةُ دانيال مونتيرو ورحلةُ وصوله إلى العاصمة بيونس آيرس، حكاية منسوجةٌ على احتمالات الموت واكتشاف تناقضات الحياة في كل لحظة.العرب عبدالله مكسور [نُشر في 2017/04/13، العدد: 10601، ص(14)]ليلة مختلفة للشاب مع الفتاة (لوحة فنية لريما سلمون) في رواية "ليلة مع صابرينا" يتحدث الروائي الأرجنتيني بيدرو ميرال عن شاب اسمه دانيال مونتيرو، قارب الثمانية عشر عاماً أو جاوزها بقليل، يعيش مع جدته المريضة في بيت العائلة بعد أن مات أبواه بحادث سير صدفة على الطريق السريع خلال عودتهما إلى كوروغوازو حيث تكون عتبة الرواية جغرافيا. الفكرة المغرية يُغرِق ميرال في وصف تفاصيل المكان الذي يسيطر عليه الفقر والتهميش، فبطل الحكاية ترك دراسته كي يعمل في مقر تربية الدجاج، المعمل الكبير الذي يكفيه سؤال الناس عن احتياجاته، يعيش دانيال حياة أخرى موازية للحياة اليومية التي تمر باعتياد العلاقات الطبيعية بين رعايته لجدته المريضة وإشكالية عطالة الأخ الأكبر عن العمل، والأخت التي تتردد بشكل شبه يومي لمتابعة تفاصيل حياة الشاب دانيال، والرئيس في العمل الذي يمارس عليه كل فنون السلطة، وسائقي الشاحنات الذين ينقطعون عن القدوم إلى المصنع بمجرد حدوث الفيضان الذي يمنع وصولهم إلى هناك. هذه الدوائر تظهر فقط في النهار بينما لليل طقوسه الأخرى القائمة على عوالم سريَّة ذاتية، تظهر هنا فكرة التشخيص بين كونَين، الكون الأول هو العالم الخارجي بما فيه من أفكار تحاصر أحلام الشاب المراهق، والكون الثاني هو العالم السري المحصور بين جدران غرفة دانيال، تلك الجدران تضم بين جنباتها فضاء يتيح للشاب الاتصال بالعالم بالطريقة التي يريد، فيعمد إلى سرقة ” خط كايبل فضائي” من شركة الاتصالات فيفتح أمامه جملة من القنوات الفضائية المُشفَّرة، تلك الموجات يرتبط بها دانيال من منطق اكتشاف الجسد واكتشاف الأنثى، لتُورِّطه الشهوة بالتعلُّق ببرنامج ليلي يومي يقوم على استعراض تؤديه فنانة أفلام إباحية اسمها صابرينا، يختصر بها دانيال كل ما هو مختلف، فكرة البرنامج تقوم على تقديم قرعة للمتابعين لقضاء ليلة كاملة مع نجمة العرض برفقة فائز واحد من المتابعين بعد تلقي عدد من الاتصالات. تُغري الفكرة دانيال فيتصل عبر الهاتف للاشتراك، ومن بين الملايين من المتابعين تقع الصدفة في صفه ليكون المختارَ من بين الجميع، يبدأ هنا منعطف آخر في القصة نحو بيونس آيرس العاصمة، والغرفة رقم 9 في فندق كيوبس بشارع أزكويناغا، في الرحلة التي تبدأ من خاصرة الأرجنتين في مدينة منسية نحو العاصمة التي تضج بالحياة، يبدأ دانيال بالكثير من الشغف تحويل عالمه السري إلى عالم معلوم في إطار ضيق جداً لتسوقه الأقدار في رحلة البحث عن طريق لا يكلفه كثيراً من المال لرجل كبير في السن يرشده إلى معبر في النهر ومنه إلى غابة سيراً على الأقدام ليستقل بعدها حافلة إلى مضارب بيونس آيرس ومنها إلى صديق أخيه الكبير ليقضي الليلة عنده دون أن يخبره بتفاصيل القدوم. تسير تلك الخطة كما تخيلها الشاب لكن بالكثير من المغامرات، حيث تقوده الأحداث نحو مواجهة الموت أكثر من مرة؛ يتعرض للسلب والخطف وغيرهما، لكن لا شيء يمنعه من الوصول إلى مبتغاه.اختراق المُباح ضمن عالم الممكن بين الهامش والمركز يقدِّم الكاتب الأرجنتيني تصوره لريفي يصل إلى المدينة ولريفي آخر يعيش في المدينة ولمجتمع متكامل من الأصدقاء، فالفكرة هنا تقوم على التناظر والتضاد، فما هو مقبول في الريف مرفوض في المدينة وماهو مقبول في المدينة مرفوض في الريف. يبرز هنا مثال صديق الأخ الأكبر لدانيال، حيث يكتشف بطل الحكاية أنه مثلي الجنس، ويقيم في منزله حفلات لمجموعة من الشبان والشابات، عالم إباحيٌّ بالكامل لا يمتثل إلى قوانين أو معايير، في خضم هذا يتعرف دانيال إلى صوفيا الشابة التي تقيم في بيونس آيرس مع أختها التي تعتزم السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية، تسير الحكايةُ هنا في دوائر سردية ضيِّقة بين شخصين، يحاول من خلالها دانيال التوازن لكن فكرة مقابلة صابرينا لوف تسيطر عليه، فيجد نفسه مسيَّراً دون إرادة منه نحو الفندق ليلتقي بها. تمر الساعات في تلك الأمتار التي تجمع بين ذكر وأنثى أوجدتهما المصادفة في زمان منسي ومكان خُصِّص للمتعة فقط، وفي تلك الساعات يقدِّم الكاتب الأرجنتيني بيدرو ميرال تصوره للحياة كاملة من خلال بعض المشاهد المتسلسلة بين ما يتم عرضه على التلفزيون وبين الحقيقة، ليجد القارئ نفسه في مواجهة خيط رفيع يفصل بين الحقيقة والخيال، خيط ينطلق عبر مساحة تمتد طولاً دون عرض وتتجمع حولها العديد من القضايا التي يثيرها بيدرو في شكل أسئلة بين الهامش والمركز في الكون. الرواية، الصادرة عن دار مسكلياني في تونس، بسيطة في حكايتها تتضمن عمقاً حوَّلته إلى العربية كلمات المترجم أبوبكر العيادي وفق تسلسل منطقي يروي مساراتها حسب ما حدث لا ما يجب أن يحدث، فالأمانة للنص الأصلي واضحة في طرح المبنى والمعنى للدوائر السردية، ما استوقفني في هذا العمل هو التقديم الذي كتبه أحمد العلي من نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، حيث أجرى مقاربة غير موفقة ولا تتعلق بالنص حين استحضر شابا عربيا يقيم في إحدى الدول العربية وقدَّم لعلاقته مع الجسد والأنثى وعالم الحريم مقارناً إياه ببطل حكاية بيدرو دون سبب أو داع إلى ذلك مع إغفال متعمّد أو غير متعمَّد للمرجعيات الثقافية التي تعودُ إليها كل حالة!