حسام محمد (القاهرة) ارتفعت نسب المسنّين بشكل واضح في الكثير من الدول العربية بفضل تقدم النظم العلاجية وارتفاع مستويات المعيشة، ولكن تبقى المشكلة الأبرز هي تعرضهم للإهمال من جانب أبنائهم وقيام بعضهم بوضع الآباء في دور المسنين ظناً منهم أن ذلك هو الأنسب لهم ورغم وجود دور تقدم أفضل الخدمات الصحية والاجتماعية لكبار السن، إلا أن القيم العربية والتعاليم الإسلامية الرشيدة تؤكد أن وجود الأب أو الأم أو حتى الجد والجدة من كبار السن في منزل الأسرة من التعاليم الدينية والقيم العربية الراسخة. «الاتحاد» تفتح ملف التعامل مع كبار السن وكيف يوفر لهم الإسلام سبل الرعاية الكاملة. نمط غير إسلامي يقول الدكتور صبري عبدالرؤوف، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر إنه في الفترة الماضية ارتفعت نسبة الأبناء اللذين يودعون آباءهم أو أمهاتهم في دور الرعاية الاجتماعية المعروفة باسم «دور المسنين»، وفي رأيي، فإن هذا يعود في الأساس إلى انتشار نمط الحياة الغربية في كثير من مجتمعاتنا، فظهرت بالتالي الظواهر الاجتماعية الغريبة على مجتمعاتنا، وأصبحت الأسرة التي يكون من حظها أن تعول الأب الكبير أو الأم المسنة تظهر ضيقها من تلك الاستضافة وفي أول فرصة تقوم الأسرة بإرسال ذلك الأب أو تلك الأم إلى ما يعرف باسم «دار المسنين» بسبب رفض الزوجة تحمل حماها أو حماتها أو رفض الزوج تحمل حماه أو حماته باختصار أصبح من المعتاد نفي المسن وعزله عن الجو الأسري تهرباً من صحبته، وهو في خريف العمر وفي أشد ما يكون إلى مؤانسة الأبناء والأحفاد ليخففوا عنه متاعب شيخوخته، وهكذا انتشرت ظاهرة دور المسنين بشكل ملحوظ وكثرت حالات التخلص من «الخير والبركة»، كما تعودنا أن نطلق على كل من الآباء والأمهات ونسينا كيف حث الإسلام على رعاية المسن ورعاية آبائنا وأمهاتنا في الكبر، حيث يقول سبحانه وتعالى: (... إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)، «سورة الإسراء: 23 - 24». ويضيف «الإسلام يعتبر الأسرة عماد المجتمع، ومن سنن الله سبحانه تعالى أن الصغير يكبر والكبير يهرم ويشيخ وهكذا تدور الحياة دورتها، لكن مع هذه التبدلات تبقى القيمة الإنسانية والإسلامية ثابتة لا تتغير، ومن هذا المنطلق أوصى الإسلام باحترام كبار السن في كل أحوالهم وبالغت الشريعة في التأكيد عليها في مرحلة الشيخوخة، وأنه بالكيل الذي تكيل يُكال لك وبالدين الذي تدين تُدان، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه»، ولو نجحت وسائل الإعلام وعلماء الاجتماع في التأكيد على ذلك الأمر، فإن هذا ينمي الحافز لرعاية المسنين والقيام على شؤونهم». ويخلص عبدالرؤوف إلى أنه «لا بد أن نعمل على توفير رعاية مناسبة للمسن داخل أسرته هي أفضل بكثير من المؤسسات، حيث يتوافر داخل الأسرة الحب والعاطفة والمؤازرة المعنوية، فهي مصدر الحب بالنسبة للمسن ولها تأثيرها الكبير على الجوانب النفسية والاجتماعية للمسنين، ولا بد أن نوصي الأبناء بألا يشعروا المسنين بأنهم أصبحوا عالة أو أنهم غير مرغوب فيهم، ويجب اعتبار الشيخوخة مرحلة طبيعية يمر بها كل إنسان، وأن أي مسن في حاجة إلى التقدير والتشجيع والاعتراف بفضله، وعدم القيام بذلك يجعله يشعر بخيبة الأمل وأنه لا فائدة منه». حق الوالدين يقول الدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ السنة النبوية بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء: لقد أمر الله تعالى برعاية الكبار والشفقة عليهم والإحسان إليهم، وهو يعد أول واجب يؤديه الإنسان بعد عبادة الله، فقد أمر ببر الوالدين بعد الأمر بعبادته، ولم يكتف بالنهي عما يؤذيهما أو بالقيام بما يحتاجان إليه، بل أمر بأعلى مراتب المواساة بالإحسان إليهما، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه»، فإذا كان القرآن الكريم والسنة النبوية يمنعاننا من أن نقول لأبوينا «أف» فكيف نقوم بوضعهم في دار المسنين. وتابع: انتشار دور المسنين في العالم العربي دليل على انتشار العقوق، وقد طالبت بوضع تشريعات تعاقب على عقوق الوالدين وأرى أن دار المسنين هي أحد أشكال العقوق فنحن من الممكن أن نفتح دور المسنين فقط لوضع المسن أو المسنة اللذين لا أهل لهما أما أن يكون هناك ولد أو ابنة ويتم وضع الأب أو الأم في دار المسنين، فهذا يتنافى والنظام التكافلي الذي حثنا عليه الإسلام، فمرحلة الشيخوخة مرحلة ضعف يتعرض لها الإنسان بعد أن عاش مرحلة القوة والشباب، كما نناشد المسنين بأن يقووا صلتهم بالله ويكثروا من الطاعات وقراءة القرآن، فتمسكهم بالدين يقوي إيمانهم ويجعلهم في طمأنينة بأن الله معهم وعن أَبِي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ»، وهكذا ساوى النبي صلى الله عليه وسلم بين إكرام المسن وإكرام صاحب السلطان وجعل إكرام المسنين من إجلال الله، وربط بين توقير الخالق وتوقير المخلوق، وإجلال القوي سبحانه وإجلال المسن الضعيف ولأن الإسلام أمرنا بهذا، فإن إيداع الآباء والأمهات بعد أن يكبروا في السن في دور رعاية المسنين أو غيرها من المؤسسات الاجتماعية، يكون هروباً من تحمل المسؤولية.