صحيفة وصف:أ.د صالح بن سبعانالسلطة لا تفسد الرجال، إنما الأغبياء إن وضعوا في السلطة فإنهم يفسدونها” هي كلمة حكيمة قرأتها للكاتب والمفكر الايرلندي جورج برنادشو، ولكنني، ولحدة البصيرة والذكاء فيها، رحت اتأملها، وأعرضها على الواقع لأتحرى مدى تطابقها معه، وخلصت في نهاية الأمر إلى أنها لا تتطابق مع الواقع فحسب، بل وتكاد تكون مفتاحاً ، لا لتشخيص الكثير من أوجه القصور في واقعنا فقط، بل ومفتاحاً أيضاً لعلاجها.فالسلطة، أياً كان شكلها ونوعها ومداها هي عبارة عن “قوة” غير مجسدة، أو بمعنى آخر غير متعينة. وهي في ذلك مثلها الطاقة النووية ، أو الطاقة الكهربائية، تملك قوة التأثير الكبيرة لمن يتعامل معها أو يتعرض لتأثيراتها، ولكنها هي في ذاتها لا تملك “إرادة” الفعل، وإنما يملك ذلك من يتحكم فيها، فالطاقة النووية نستطيع أن نوجهها لما فيه الخير إذا وجهناها لإنارة المدن والقرى وتشغيل المصانع على سبيل المثال، ولكننا أيضاً نستطيع أن نجعل منها أداة دمار شامل نبيد بها الأحياء والأشياء.كذلك هي السلطة، هي قوة، محايدة، لا تملك الارادة لتوجيه نفسها وتوظيف قواها ذاتيا ولا تملك رأياً تعبر عنه حول ما ينبغي أو لا ينبغي أن تفعله أو يُفعل بها، هي قوة تستطيع أن تكون في خير مصالح العباد إذا ما أحسن من بيده مقاليدها استخدامها وسخرها في هذا الاتجاه، كما يمكن أن تكون وبالاً وشراً مستطيراً إذا ما أساء استخدامها، ووفق هذا المعيار، معيار استخدام السلطة نحكم على المسؤول الذي يملك هذه القوة استحساناً أو استهجاناً.فإذا رأيت مسؤولاً ، مهما كانت درجته الوظيفية يسخر السلطة التي أوكلت إليه كأمانة، ويستغلها لقضاء حوائجه الشخصية ، أو يسئ استخدامها للإضرار بمصالح العباد، أو يهمل مدى قوة تأثيرها ، أو أن يسخرها لخدمة المقربين منه ..الخ من أوجه خيانة أمانة استخدامها فيما أوكلت إليه قوتها، فأعلم بأنه إنما يفسد هذه السلطة البريئة من وزر أعماله. ويقولون لك بعد ذلك بأن السلطة هي التي تفسد الرجال!.فهل في هذا القول ثمة تبرير مبطن لتبرئة المفسد وإبراء ذمته من شر أعماله بالصاق التهمة وإلقاء اللوم على السلطة التي لا حول لها ولا قوة على الفعل الارادي؟!. أظن ذلك والله أعلم. (1)