×
محافظة الرياض

تذاكر الهلال والنصر.. ضد التزوير

صورة الخبر

قدر المنطقة الغربية أن تكون ذروة سنام الأدب العربي في «المملكة العربية السعودية»، وأن تكون مهوى أفئدة المسلمين من آفاق المعمورة. وما أفاء الله به عليها من أمن، واستقرار، ورخاء، كان له أثره في انطلاق الحركة الأدبية.. ومنطقة تستقطب أطياف الوطن العربي.. لا بد أن تكون حياتها الأدبية استثنائية. والذين كتبوا عن «تأريخ الأدب العربي» في المملكة يستوقفهم ذلك التجاوز في الحجاز.. وقدر المؤسسات الأدبية فيه أن تكون بحجم تميزه. وحين نلملم أطراف الحديث المتشعب، ونتجه صوب «النادي الأدبي الثقافي بجدة» وعلاقتي به، يتبدى الحراك الاستثنائي في زمن السكونية، التي تلبست بها بعض المؤسسات الثقافية والأدبية. وكم هو الفرق بين الأداء الرتيب، والفعل التجاوزي، وأفضال أستاذنا القدير عبدالفتاح أبو مدين عليَّ تسبق علاقتي بالنادي. فعندما اعتذر المرحوم عبدالقدوس الأنصاري عن نشر دراستي النقدية لديوان «القلائد» للشاعر الفذ المرحوم محمد بن علي السنوسي في مجلته «المنهل» تلقاها أبو مدين، ونشرها في جريدة «الأضواء» أو»الرائد»- على ما أذكر قبل نصف قرن ونيف. فكانت تلك المقالة العنيفة، والمثيرة منطلقي إلى عالم الأدب، وإن كانت المقالة متلبسة بروح الشباب المتوقد، الذي ينكب عن ذكر العواقب جانبًا. وحين تولى أبو مدين رئاسة النادي، لم يتردد في تمكيني من الإسهام في مناشط النادي، ولربما يكون النادي من منطلقاتي النقدية.. ومن المؤكد أن مشروعات النادي تؤسس لحركة أدبية، شكلت تحولًا لافتًا للنظر في المشهد الأدبي في المملكة، ولربما كنت الخصم والحكم في كثير من التناوش، والمقاربات النقدة وتلك سمة مكنت النادي من الصدارة في سياق الأندية الأدبية ولأني كنت رئيسًا لنادي القصيم الأدبي ببريدة على مدى عقدين ونيف فإنني خبير بالحراك الأدبي، الذي تمثله الأندية الأدبية إذ ذاك، وفيها لم أدخل النادي للتنافس، لأنني أؤمن بجدوى التنوع، متى كان في إطار المعقول. وتلك الرؤية هيأت لي فرصة المشاركة في مناشط النادي الأدبي الثقافي بجدة، والذي عُرف عنه تبني الحداثة الأدبية، والتفسح لكل المستجدات النقدية، وتجسير الفجوات بين النخب العربية. ولعل من أهم مشروعات النادي «قراءة النص»، وهو المجال الذي اتعمّد فيه تكريس رؤيتي، التي توصف بالمحافظة وقد يساء فهمها، فتوصف بالتقليدية، والحق أنها لا تنتمي للمحافظة، ولا للتقليد، ولكن المتحمسين للمستجدات لا ترحب صدورهم للتجديد المتوازن.. ولو عدت إلى لغة تلك المرحلة، لأدركت أننا جميعًا نقتسم الخطأ، فكل منا له رؤية مشروعة، ولكننا نكاد نخفق في إدارة الاختلاف، ومن ثم اتسعت هوته، وارتفعت نبرته وكان بالإمكان التعاذر، والتعايش، فالمشهد الأدبي يتسع لكل الخطابات. هذا الفشل في إدارة الاختلاف فيما بيننا، نشأت معه جفوة بيني وبين الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الغذامي، والأستاذ الدكتور سعيد السريحي وظاهرهم في هذا التنازل غير المبرر من كنت اسميهم بـ»العكاظيين»، وقد ترتفع نبرة الاختلاف، فأسميهم بـ»أغيلمة الصحافة». وظلت الجفوة قائمة، حتى تداركها كل من الأستاذ الدكتور عبدالعزيز السبيل، وكيل وزارة الثقافة والإعلام آنذاك، والأستاذ عبدالفتاح أبو مدين حين جمعا بيني وبين الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي في إحدى المناسبات الثقافية في الرياض، وأزالا ما بيننا من جفوة لا مبرر لها.. وساعتها اكتشفت معدن الأستاذ الدكتور الغذامي المتميز، وآسفت على ما بدر منا جميعًا، وأدركت أن الخلاف في المفاهيم وليس في القضايا ولو أدرنا ظاهرة الاختلاف بحكم لأضفنا للمشهد الأدبي ما هو بأمس الحاجة إليه. وعيب مشرقنا العربي أنه لا يحرر المصطلحات، ولا يؤسس للمعارف، ومن ثم تتسع عنده هوة الخلاف بين أطيافه فيما نجد مغربنا العربي على خلاف ذلك لأن أدباءه ومفكريه يهتمون بتحرير المصطلحات، وبلورة المقاصد، ومن ثم يكون خلافهم حول المذاهب. الحراك النقدي والتيارات النقدية الحديثة والصراع بين الأطياف يعود الفضل فيها إلى «النادي الأدبي الثقافي بجدة» على أنه لا يتحمل ما يترتب على ذلك من تنازع مرده إلى الفشل في إدارة الاختلاف. من الذكريات الأجمل، حين أراد النادي الأدبي بجدة تكريم الشاعر المرحوم محمد حسن فقي ووقع اختياره عليّ لأكون المتحدث الرئيس، واعتذار الفقي عن قبول ذلك وإصراري على نشر المشاركة إن لم أمكن من إلقائها وتراجع الفقي عن عدم قبوله بمشاركتي ومهاتفته لي، وتلطفه بالاعتذار عما بدر منه. وحضوره لمحاضرتي في نادي جدة وإبداء إعجابه بهذه الدراسة في مجلة «اليمامة»، وطلبه مني التوسع في الدراسة وطباعتها على حسابه. ولقد شرفت ثانية بتقديم دراسة أخرى عنه في القاهرة، عندما أقامت مؤسسة اليماني أسبوعًا ثقافيا عن «الفقي شاعرًا» وطُبعت الأعمال في مجلد كبير.. وشرفت ثالثة بتقديم دراسة عنه، عندما كرّمه «المهرجان الوطني للثقافة والفنون». والفضل كله يعود للنادي ولرئيسه، الذي ربطني بشعر الفقي، وعرّفني به، وقويت علاقتي به حتى لقد أشرفت على رسالة الدكتوراه، التي تقدمت بها الطالبة الدكتورة ليلى بابونجي عن ظاهرة التأمل عند ثلاثة من شعراء الحجاز، من بينهم محمد حسن فقي. وتبقى «قراءة النص» من المشروعات الأدبية، التي برز فيها النادي الأدبي الثقافي بجدة، وأقرانه وكنت حاضرًا لكل الفعاليات مشاركًا فيها. وكانت مشاركاتي سبيلا للتعرّف عن قرب على عمالقة النقد الأدبي أمثال عز الدين إسماعيل وكمال أبو ديب وسعيد مصلوح وعبدالسلام المسدي وآخرين.. وكانت لي معهم مداخلات ضبطها النادي في ملفاته. لا أود الحديث عن منجزات النادي، وعما أحدثه في الوسط الأدبي والثقافي، وعن مجلة «علامات» وأخواتها، التي مكّنت النادي من تجسير الفجوات بين الأدب العربي في المملكة وسائر الآداب العربية وبخاصة المغرب العري، وما جد فيه من مذاهب نقدية ذات صلة بـ»الآلسنيات» الحديثة. لقد فتح لنا النادي كوى، نرقعها بمحاجرنا، مطلين من خلالها على الحراك الأدبي العربي ومستجداته. بعد فعلة وزارة الثقافة والإعلام التصحيحية المتمثلة بإقالة مجالس الإدارة وتجديد الدماء، ارتبكت الحركة الأدبية شيئًا ما، وقرى الحدث على أنه إقالة عثرة للأندية، وتحريك لجمودها على أن هذه المبادرة المتأخرة عن وقتها لم تحقق ما أمل منها وفي أجواء هذه الربكة انقطعت صلتي بالنادي إذ لم أدع لأي فعالية. وبعد أن استعاد النادي أنفاسه، عدت إليه بدعوات كريمة من مجلس إدارته المنتخبة ولما أزل أجد فيه بقايا من جد واستشراف للمستقبل وآثاره من ماضيه المجيد. تلك إلمامة غير عازمة أسجل فيها كل الفضل لـ»نادي جدة الأدبي»، الذي مكنني من حضور فعالياته، والمشاركة في مناشطه. والشكر موصول لرئيس مجلس الإدارة الدكتور عبدالله بن عويقل السلمي، الذي ما فتئ ينتهب الخطى لتحقيق تطلعات الأدباء، ولكل زملائه أعضاء مجلس الإدارة والعاملين في النادي على مبادراتهم الإيجابية، وتواصلهم معي بين الفينة والأخرى.. متمنيًا للنادي مزيدًا من العطاء والتألق.