×
محافظة الرياض

أمانةالرياض : توقف الباعة الجائلين غير السعوديين

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي حين أعلن الرئيس فلاديمير بوتين ضم القرم الى روسيا في 18 آذار (مارس) الماضي، سلط الضوء على قدسية هذه المنطقة التاريخية، وذكّر بتحول فلاديمير الأكبر الى المسيحية في القرن العاشر. وعلى رغم احتفائه بالجذور المسيحية في خطابه، غاب كيريل الأول، بطريرك الكنيسة الأورثوذكسية الروسية، عن الاحتفال. وفي الصف الثالث، وراء مسؤولين من القرم موالين لروسيا وغيرهم من المشرّعين الروس والمسؤولين، جلس ابرز عالمَي دين مسلميْن في الفيديرالية الروسية. ولم يذكر بوتين الإسلام في خطابه، لكن مشاركتهما في الاحتفال لا يستخف بأهميتها. فأزمة القرم لا تدور فحسب على علاقات روسيا بالغرب، بل كذلك على مكانة الإسلام فيها ودوره. فالنخب الروسية المسلمة لعبت دوراً بارزاً في التوسع الروسي في منعطفات كبيرة في التاريخ الروسي والسوفياتي. فرجال الدين المسلمون في الفولغا استمالوا المسلمين على الحدود الجنوبية والشرقية من الإمبراطورية الروسية وكسبوهم في صفوف رعايا القيصر. والتوسع الرسمي كان يليه تدفق التجار التتار الذين يؤسسون تجارات مزدهرة في الأراضي الجديدة ويساهمون في دمج المسلمين في الشبكة التجارية الإمبراطورية. وفي العهد السوفياتي، سعى عدد من التتار إلى الجمع بين الاشتراكية والإسلام ومد الجسور بين الاتحاد السوفياتي ومسلمي العالم. ومنذ أول يوم في الانتفاضة الأوكرانية، بادرت شخصيات روسية مسلمة بارزة الى استمالة اخوتها في الدين «القرميين» الى موسكو. وأعلن المفتي الروسي طلعت تاج الدين، رئيس أحد أبرز المعاهد الإسلامية في روسيا وأكثرها نفوذاً، ان ضم القرم هو بادرة حسنة. و»حين يندلع حريق في بيت الجار، عليك المساعدة في إطفائه مخافة ان تنتقل النار الى بيتك»، على حد قول تاج الدين في مقابلة مع وكالة الأنباء الروسية. وذكّر رافيل عين الدين، وهو من وجهاء المسلمين الذين شاركوا في الاحتفال، تتار القرم البالغ عددهم 300 ألف شخص بأنهم 12 في المئة من السكان، في إشارة الى ضرورة الصدوع برأي الغالبية الموالية لموسكو. وأعلن دامير جزتولين، نائب تاج الدين، أن مناصري روسيا في أوكرانيا ليسوا الروس فحسب، وهم كذلك تتار القرم الذين سيشعرون بالأمان تحت جناح الحكم الروسي فيتجنبون بروز الإسلام الراديكالي «العربي». فالقوانين الأوكرانية، على خلاف القوانين الروسية، لم تحظر نشاطات «الفرق» الدينية الإسلامية السلفية وغيرها. وزعم عين الدين في موقعه الإلكتروني ان البارئ أمر بضم القرم الى الفيديرالية الروسية وبالتحاق تتارها بأمة المسلمين البالغ عددها 20 مليوناً في روسيا. لكن نخب تتار القرم استقبلت هذه التصريحات استقبالاً «فاتراً» من غير حفاوة. فذكرياتها التاريخية مع الحكم الروسي «باردة»، ولا توحي بالقرب والاستئناس. فأسلافهم، وهم متحدرون من جنكيز خان، أنشأوا دولتهم في المنطقة في القرن الخامس عشر. وكانت الدولة هذه وثيقة الروابط بالسلطنة العثمانية، وأدت دوراً عازلاً بين العثمانيين والروس وكانت عقبة دون إحكام سكان موسكو القبضة على البحر الأسود والسهوب الفاصلة اليوم بين أوكرانيا وروسيا. وفي عام 1783، قسّمت كاترين العظمى الدولة هذه ودمجتها في الإمبراطورية الروسية. لكن فصول النزاع بين العثمانيين و الروس ساهمت في طعن هؤلاء في ولاء المسلمين على حدود روسيا الجنوبية. وبعد حرب القرم بين روسيا وفرنسا وبريطانيا والسلطنة العثمانية وسردينيا بين 1853 و1856، طردت قوات القيصر نحو 100 ألف تتاري من القرم. وفي المرحلة السوفياتية لم ينجُ أحد من الارتياب والطعن في ولائهم. وفي عهد الاحتلال الألماني، انضم بعض تتار القرم، شأن غيرهم من السوفيات الواقعين في قبضة الحكم النازي، الى قوات المحتل الخاصة. وحين استعاد الجيش الأحمر السيطرة على شبه الجزيرة عام 1944، شن جوزيف ستالين عمليات بوليسية لـ «تطهير» المنطقة من التتار كلهم وبعض اليونانيين والألمان. وأُجبِر سكان قرى التتار على مغادرتها ونقلوا الى آسيا الوسطى ومناطق أخرى من الاتحاد السوفياتي. وإثر وفاة ستالين، سعى من نجوا من الهجرة القسرية الى العودة لكن طلباتهم رُفضت، وأُهملت احتجاجاتهم، ولم يسعهم العودة الى القرم إلا في خواتم الثمانينات. وإثر انهيار الاتحاد السوفياتي، رمت حركة التتار القومية الى استعادة ملكيات ابناء جلدتها، وطالبت بحقوقهم المدنية واللغوية مستندة الى قوانين الدولة الأوكرانية الوليدة. في 2013، ساءت علاقات التتار مع كييف وموسكو على حد سواء، اثر عرض فيلم «خايتارما» عن تهجير ستالين تتار القرم، فاتهم قنصل روسيا مخرج الفيلم بتزوير التاريخ، والتتار بالتعاون مع النازيين. ودعا زعماء التتار كييف الى مساعدتهم في تنظيم مساعي العودة وتوسيع حقوقهم اللغوية ودمجهم في الحكومات المحلية. وحين اندلعت احتجاجات ميْدان في كييف الخريف الماضي، شارك فيها عدد من الزعماء القوميين التتار من أمثال رفعت شباروف، وألقوا خطابات. ولكن سرعان ما برز الشقاق في صفوفهم إزاء الثورة، ونسبت 6 مؤسسات دينية اسلامية وجمعيتان الى نفسها صفة تمثيل التتار والنطق بلسانهم. وبعض هؤلاء أيد متظاهري ميْدان وبعض آخر التزم الحياد أو انحاز الى توجهات حكومة كييف الروسية الهوى. وفي التظاهرات أعلن الكسندر كريفونوسوف انه ناطق باسم منظمة اسلامية، وسرعان ما تبيَّن انه جندي سوفياتي شارك في حرب افغانستان. التدخل الروسي في القرم أثار مشاعر قلق في اوساط التتار، وأعلن ناشط تتري كان معارضاً سوفياتياً ان «الجهاد» سيعلن ضد روسيا اذا أساءت معاملة قومه. فتقاطرت وفود مسلمة روسية الى القرم لطمأنة التتار، ونزل خطاب بوتين عند مطالب القوميين التتار القديمة، فأعلن ان لغتهم ستكون رسمية في القرم شأن الروسية والأوكرانية. وأقر بترحيل السوفيات لهذا القوم، وقال ان «الشعب الروسي» هو اكثر من عانى من القمع السوفياتي. والتزم منح التتار حقوقهم الكاملة، فبادرت الرادا (البرلمان) الأوكرانية الى الاعتراف بالقومية التتارية بوصفها «شعباً أصلياً» أو من السكان الأصليين في 20 آذار الماضي. ويدرك بوتين ان تعاونه مع المسلمين لا غنى عنه من اجل بلوغ اهداف سياسته الخارجية، ومنها علاقات وطيدة مع ايران وسورية وغيرهما من دول العالم الإسلامي التي قد تساهم في موازنة توسع النفوذ الأميركي. وقد لا تنجح اجراءات الرئيس الروسي وتصريحات النخب المسلمة الروسية في طمأنة التتار، لكنها دليل على مكانة المسلمين البارزة في رؤية الكرملين الجيو سياسية. نتائج ضم القرم متناقضة: فهي، من جهة، سلّطت الضوء على الدور الريادي للزعماء الروس المسلمين وشدّت أواصرهم بحكومة بوتين، في وقت ساهمت في توتير علاقات الكرملين بالكنيسة الأورثوذكسية التي تخشى خسارة الأوكران إثر عدوان موسكو. ومن جهة أخرى، أُقصيت الزعامات القومية التتارية في القرم. ويصعب التكهّن بحظوظ اندماج مسلمي القرم في النسيج الإسلامي الروسي ونظامه السياسي. ويرجح أن يقاوم التتار مساعي نخب المسلمين الروس الى «اجتثاث» تفسيرات الإسلام الأجنبية من القرم، على نحو ما فعلت (النخب هذه) في مناطق اخرى من روسيا.     * مدير مركز بحوث صهيب وسارة عباسي للدراسات الاسلامية، أستاذ تاريخ في جامعة ستانفورد وصاحب «النبي والقيصر: الاسلام والامبراطورية في روسيا وآسيا الوسطى، عن «فورين أفـــيرز» الأميــــركية، 7/4/2014، إعداد منال نحاس