النسخة: الورقية - سعودي خطوة حكيمة وجريئة قامت بها حكومة خادم الحرمين الشريفين، ممثلة بوزارة التعليم العالي عندما فتحت باب الابتعاث «مشروع الملك عبدالله للابتعاث»، لسد الهوة والفجوة التي حدثت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي حين أُغلق هذا الباب بسبب حركة «الصحوة» و«المتمشيخين». مشروع «الملك عبدالله» ليس خاصاً بفئة أو منطقة أو جنس، بل هو لجميع شرائح المجتمع من دون تمييز، وفي تخصصات نحتاج إليها، ولا تستطيع جامعاتنا سد هذا الفراغ، لقلة المقاعد أو لغيرها من الأسباب. انفتح الأفق أمام الجميع لنهل العلم من أعرق جامعات العالم وأكبرها، وحانت الفرصة للمبتعثين للاحتكاك بطلاب من مختلف بلدان العالم، ومشاهدة كيف يكون الجد والاجتهاد وطلب العلم، وأن العالم بأسره مشغول بالإبداع والاختراع، وليس - كما يزعم الصحويون - أن هذه البلاد مستهدفة وأن هناك محاولات لتقويض شخصيتها وطمس هويتها. يقول أحد رموز الصحوة: «سافرت إلى معظم دول العالم، فكان الجميع مشغولاً بالصناعة والإبداع والاختراع، وأن العالم العربي والإسلامي هو آخر اهتماماتهم». كم فرحنا بهذا المشروع الذي يدعم ويواكب المشاريع التنموية في بلادنا، فأصبحنا بأمس الحاجة إلى كوادر شابة من الجنسين في جميع التخصصات، ليتسلموا زمام المشاريع، ويقودوا جامعاتنا إلى مصاف الدول المتقدمة. لكن بعد أن تنبهت الحكومة إلى خطر المتزمتين وخطر انتماءاتهم وتوجهاتهم، ضربتهم بيد من حديد، وأُبعدوا عن المناصب الحساسة، ولما قاموا بالتجمهر أمام الديون لم يعطوا فرصة لمواجهة أصحاب القرار ليقوموا بما يسمُّونه «مناصحة ولي الأمر»، عندها اتخذوا مذهباً جديداً لكبح جماح التطور وبقاء الوطن متخلفاً متأخراً عن بقية الدول، فبدأوا بترويع عامة المواطنين وتخويفهم باختراع الأكاذيب والقصص المغلوطة عن المبتعثين، فذاك يقول سمعت، وآخر يزعم أن مبتعثاً أخبره عن قصص غرامية بين المبتعثين والمبتعثات، والطامة الكبرى (على ذمة أحد الكتاب) أن أحدهم تجنى على المبتعثات واتهمهن بقيامهن بعمليات رتق للبكارة. كل هذه الإسرائيليات للأسف لا تستند إلى مصادر موثوقة، بل أحاديث مجالس ومنتديات، وعند سؤال هذا الواعظ الأفّاك عن مصدره، استند إلى متكئه ومس لحيته وقال: «أفا بس» أنا الشيخ فلان تسأل عن مصدري. وإذا سلمنا بصحة حدوث شيء مما ذكروه، فهي حالات فردية كُبِّرت ونُفخت ولا تعتبر ظاهرة، وتحصل في وطننا المحافظ، وهي لا تلغي الفوائد الجمَّة التي سيجنيها الوطن من هذا المشروع. كم تمنيت أنّي حظيت بفرصة للابتعاث للخارج، كي أنهل من العلم، وأتعلم لغة جديدة، وأعود لخدمة وطني، لكنه القدر. وإذا ما أمد الله بعمري سأحث أبنائي على انتهاز فرصة الابتعاث التي حرمت منها.