كثيرون لا يفرقون بين الجنسية والمواطنة، فهم يتصورون أن شرط الجنسية يلزم المواطنة، علماً بأن المواطنة أشمل بكثير من إثبات الجنسية لأنها، أي المواطنة، الإحساس بالانتماء والمسؤولية للدولة، وبذل كل ما يمكن من أجل الحفاظ عليه والدفاع عن مكتسباته، والإيمان بأن الشخص هو ابن الأرض يدين بالولاء للوطن. فقد يكون الفرد ولد وترعرع في بيئة لا يملك جنسية، لكنه يبذل الغالي والنفيس في الدفاع عن أرضه، وقد يحصل شخص على جنسية دولة لا يشعر بالانتماء إليها لأنه مواطن دولة أخرى.هذه المقدمة أريد بها الحديث عن الزوبعة الدائرة حول سحب الجنسية من بعض الأفراد الذين أساءوا للدولة بحجة الاختلاف في الرأي على قضايا سياسية أو مساس لا يعبر عن المواطنة في صورتها العامة. فإذا كانت الجنسية مهمة للدولة فإن ذلك لا يعني عزلها عن المواطنة وفق قانون صدور الجنسية عام 1950.لهذا فإن الجنسية في الحالة الراهنة هوية تعبر عن علاقة المواطن بالدولة، وبمسؤولياته تجاهها بحيث يساهم بإيجابية في الحياة العامة لأن الجنسية أو شروطها تشكل مكوناً من مكونات المواطنة، وليس كل مكوناتها. ولأن الجنسية لها قانون فإن أي خروج عن هذا القانون يعكس عدم جدية الالتزام بالجنسية، وبالتالي القبول بالتطاول عن مفهوم المواطنة ودولة القانون ما يجعل سحب الجنسية بيد السلطة التنفيذية المسؤولة عن الأمن والوطن في إطار القانون.إن الذين تم سحب جنسياتهم أساءوا للدولة ولنظام الحكم أو لغش في تقديم المعلومات أو لتزوير وغيرها من أمور أدت إلى مقولات تدعي بأن سحب الجنسية ما هو إلا انتقام من السلطة المتمثلة في الحكومة. هناك أسباب مختلفة لسحب الجنسية منها ما له علاقة بأمن الدولة، أو الداعمين للإرهاب أو المطلوبين أمنياً للخارج، أو الانتماء لجهة سياسية أمنية أو التزوير في الحصول على الجنسية أو غير ذلك من عوامل ينص عليها قانون الجنسية بالسحب من الذين يرتكبون مخالفات القانون، ولا تختلف عما هو مطبق في الكثير من الدول المتحضرة.إن سحب الجنسية ليس ظاهرة طارئة أو غريبة، فالكثير من الدول في أوروبا وأميركا تزاول يومياً سحب جنسية أفراد من رعاياها مخالفين للقانون. فالسحب أو حتى الإسقاط (للجنسية الأصلية) من حق الدولة سواء كان ذلك من خلال الحكومة أو المجلس النيابي أو القضاء. وفي الحالة الكويتية يعود ذلك إلى الحكومة وفق قانون الجنسية المنشور والمتداول على شبكة الإنترنت، ولا يعتبر سراً أو نظاماً مخفياً كما هو في كثير من الدول.أما ما هو متداول حالياً من انفراجة في ملف سحب الجنسيات، كما يدعي البعض من أجل خفض مستوى التوتر بين المجلس النيابي والحكومة، والسعي للتهدئة، خصوصاً وأن بعض النواب يكرر التصريح باستجوابات مقبلة للوزراء، وكذلك لرئيس الوزراء فإن المقايضة بين إرجاع الجنسيات والتهدئة، إن كانت صحيحة، فإنها في نظري لا تصب في المصالح العليا للدولة، لأن إرجاع الجنسيات للمخالفين للقانون لن يكون معالجة موضوعية وصادقة، بل على العكس ستكون مجالاً للاستمرار في المخالفات، وإعلاناً بلي ذراع الحكومة، والضغط عليها، خصوصاً وأن المعارضين الذين نجحوا في الانتخابات النيابية كانوا يحملون شعار «إعادة الجنسية»، ومحاسبة الحكومة.yaqub44@hotmail.com