أترى أن العالم النامي يسير- اليوم- في الاتجاه المعاكس للرقي والازدهار، ويهرول بكل تلقائية خلف بعض المفاهيم الغربية المتعلقة بالاستقرار؟ وهل التعلق بهذه المفاهيم يشير إلى صعود الأمم إلى أعلى قمم المجد الحضاري أم يشير إلى بداية تراجعها وانحدارها إلى أسفل القاع الحضاري؟. مفهوم (الأمن ثم الاقتصاد) له نكهة شرق أوسطية، وهو حاضر بقوة في معظم سياسات الكثير من دول العالم النامي، اعتادوا عليه وتكيفوا معه وتشربوه، وأصبح كالعادة التي تعودت عليها الشعوب والدول على حد سواء، والعادة آسرة ما لم يتم كسرها، وربما أن الغرب (الاستعماري) قد خطط وسوق لهذا المفهوم بخبث - منذ أمد بعيد - لتتبناه الميادين الشرقية، لأن مفهوم (الأمن ثم الاقتصاد) من العوامل التي تسهم في عرقلة الحضارات لكي يسهل هدمها بحركة واحدة من حركات (الفوضى الخلاقة)، بينما من الأمور اللافتة أن الغرب يتبنى - بدهاء في ساحاته الغربية - مفهوم (الاقتصاد ثم الأمن)، لأنه من العوامل التي تسهم في الاستقرار والازدهار وبناء الحضارات. إن تقديم المعالجات الأمنية على المعالجات الاقتصادية يعني تبني مفهوم (الأمن ثم الاقتصاد)، وهو خطير إذا ما كان يستخدم في كل الأوقات وفي غير الأزمات، وتبنيه يأتي بالمخاطر الكبيرة على دول وشعوب العالم النامي، لأن القوة لا تصنع الحق، والمقاييس في الحكم على رشد هذا المفهوم من عدمه ما نراه من أزمات وقلاقل ناتجة عن المعالجات الأمنية التي نشرت الانتهاكات الخطيرة لحرية الإنسان، ودمرت الولاءات وهزت استقرار بعض الأنظمة، ومنعت تلاحم الشعوب مع قياداتها، واثارت الفتن واشعلت الحروب وأدت إلى تنامى الإرهاب بشكل غير مسبوق، وقد يفضي الاستمرار في الأخذ به إلى فوضى عارمة قد تستغلها بعض الدول الاستعمارية لأغراض سياسية هدفها الهيمنة وتقسيم الدول (مشروع تقسيم المنطقة قيد التنفيذ). والأدهى والأمر، هو أن بعض المنتمين الى النخبة المستنيرة في الشرق - بسبب الوثوق الاعمى بالمألوف، وتوهم الكمال لكل ما هو آت من الغرب - يرون في تبني مفهوم (الأمن ثم الاقتصاد) في الميادين الشرقية (في غير الأزمات) من المبادرات الرائدة التي يجب علينا استقبالها باهتمام. (يتبع)