وجاء معرض كتاب الرياض مرةً أخرى، وكالعادة يصاحبه احتفاء إعلامي وتحفز مجتمعي متعطش للاطلاع والقراءة. عادة نحبذ طرح الملاحظات بعد انتهاء المعرض، حرصاً على عدم صد الناس عن الحضور، لكنني سأكتب هذه المرة في وقت المعرض، أملاً في إثارة أسئلة تهم نخب الحضور والمتخصصين... أساس المعرض هو عرض الكتب، وهذا أمر لا جديد فيه، فالنمطية هي السائدة مع تغييرات في الشكل أو الديكور من عام لآخر. طبعاً لا يمكن إغفال التميز الكمي - مقارنة بمعارض الكتب بالمدن المحيطة - بحكم حجم مدينة الرياض والقوة الشرائية... لكن السؤال العريض الذي يطرح، هو حول إضافة المعرض لحركة النشر المحلية والعربية؟ والسؤال الآخر هو حول إدارة ومخرجات المعرض الإدارية والاقتصادية؟ معارض الكتاب الكبرى المتقدمة يكون تطوير النشر ولقاءات الناشرين وصفقات الناشرين هي محورها وليس بيع الكتب للجمهور وتحول المعرض إلى مجرد صالة بيع. البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض الرياض ابتعد كثيراً عن مناقشة قضايا النشر بكثافة وجرأة وذهب إلى مواضيع متنوّعة لا تختلف عن ما تطرحه الأندية الأدبية والجنادرية وعكاظ وغيرها، بل إنه أقل جودة وعمقاً من كثير من تلك الفعاليات. بمعنى آخر لا يوجد هوية واضحة للبرنامج الثقافي المصاحب لعرض وبيع الكتب، رغم أن هدف وقضية المعرض الأساسية واضحة في كل العالم وتتعلّق بالكتاب تأليفاً وصناعةً ونشراً. وهذا ما يجب أن يركز عليه برنامج المعرض. كنت أتمنى أن يكون هناك ندوة تتعلّق بتطوير معرض الكتاب ذاته، هويته وتميزه. فرغم تنظيم المعرض على مدى سنوات، لم نقف أو نلتفت لنقاش رؤيته وسلبياته وإيجابياته وآفاقه وسبل تطويره، وكيف نجعله ذا علامة فارقة في معارض المنطقة تشد إليه الرحال. لماذا لم يتحول المعرض إلى شركة أو أن تؤسس شركة تدير معارض الكتاب في الرياض وجدة؟ لماذا تدير وزارة الثقافة والإعلام المعرض مباشرة ولا توكله إلى شركة متخصصة؟ لماذا لا تتحول أرباح المعرض إلى دعم وتحفيز النشر المحلي؟ كيف يمكن استثمار معرض الكتاب ضمن الرؤية والتحول الاقتصادي؟ لماذا نسافر إلى معارض الكتب في الدول المجاورة بينما معرضنا لا يجتذب الآخرين، بل ربما لم يعد جاذباً حتى لمثقفي البلد من المناطق الأخرى؟ لماذا لم يستطع المعرض التحول من صالة بيع للجمهور إلى منصة صفقات وتبادل شراء واتفاقيات بين دور النشر المحلية والعربية؟ كيف يمكن حل التناقض بين ما يعرض في معرض الكتاب وما تفسحه وزارة الثقافة ويباح في المكتبات المحلية؟ لماذا لا يسهم المعرض في التقاء الناشرين السعوديين ضمن اتحاد للناشرين السعوديين؟ ما هي العلاقة بين معرض كتاب الرياض ومعرض جدة والمعارض الأخرى والنشاطات الثقافية الأخرى كالجنادرية وعكاظ وغيرها؟ أسئلة تعنى بالمعرض والنشر، تتجاوز أهميتها المواضيع الباردة التي طرحتها فعاليات المعرض. مع التأكيد على أن الأسئلة لا تنفي الجهود والتميز في كثير من الجوانب. هذا ديدننا في كل ما نكتبه، نقدّر العمل ونفرح بالمنجز، لكننا نطمح في الأفضل. يهمنا طرح السؤال والفكرة لأنهما منبع كل تطوير يأتي بعد ذلك.