الحروف عبارة عن أصوات لها مدلولاتها ومعانيها، فمتى تناسقت وانتظمت داخل السياق أعطت جمالاً وأخذت بقارئها وسامعها لبحر من الخيال تغذيه بجمالها. ومتى كانت موسيقاها اللغوية وجرسها متناسقتين رسخت وبقيت في الذاكرة زمناً طويلا، غير أنها لا تعدو حروفا كغيرها ميتة لا حراك فيها مالم تشع داخلها روح الحياة فتتحول إلى قوة دفع تشد العزيمة وتقدم الوصفة الأمثل للنجاح. في الشأن الرياضي الكثير يكتب ويدخل من هذا الباب الواسع ليقدم خلاصة تجربته وفكره، بيد أن خير من يصور ويقدم خطط التطوير في الجانب الفني هم فرسان المجال حيث بمقدورهم معرفة خطط اللعب المناسبة للاعب السعودي وكيفية احتوائه داخل الإطار الفني المناسب لتفكيره ويرتاح للركض من خلاله. لقد قفزت هذه الفكرة في ذهني حين سأل الزميل بندر الشهري عن الكابتن عمار السويح وهل باستطاعته الذهاب بعيدا بفريق الشباب في المعترك الآسيوي أم لا ؟ حينها امتثلت قامة السويح التدريبية كفكر وتخطيط أكبر منها قامة مدير فني وممرن للفريق فقط. الرجل الذي عرفته من قرب له سمته وطريقته الخاصة التي يأخذ من خلالها أقصى ما يريده من اللاعب داخل المستطيل الأخضر من حيث الانضباط والأداء التكتيكي، فالرجل يمتلك تجربة ناجحة في عدد من الأندية السعودية تمكن من خلالها أن ينال أقصى درجات الرضى وأن يمنح درجة كبيرة من الارتياح لجماهير ومسيري هذه الفرق. هو ليس الوحيد في هذه المكانة، بل غيره الكثير ممن قدموا لرياضتنا وهم يحملون الفكر التدريبي العالي والقدرة التنظيمية للاعبيهم في مواعيدهم التدريبية، بل لهم قدرة على توجيههم بسهولة ينقادون من خلالها لما يقولون بكل تفان. يشابهه في هذا كارينيو مدرب النصر الحالي الذي استطاع أن ينهي الجفاء الحاصل بين فريقه وبين البطولات، بل تعدى ذلك بأن ينال بطولتين في موسم واحد حيث بات شيئا مختلفا تحت قيادته، فالروح والحماس وإنتاجية الفريق في أعلى درجاتها. وحين نستحضر الأسماء المشابهة لهذه التجربة يحضر اسم جيريتس مدرب الهلال بقوة كونه صنع فريقا متفوقا دفاعيا وضاربا هجوميا وغيرهم ... وغيرهم. الفكرة التي أود طرحها هي: ما الذي يمنع من استكتابهم وجعلهم يدونون خلاصة أفكارهم وتجاربهم المميزة نبني بها مكتبة رياضيه تشفي غليل الباحث والقارئ النهم، وتقدم وصفة النجاح لمن يريد أن يبني مسيرته وطريقه بأسلوب منظم وطريقة غذتها التجارب السابقة، مستفيداً من تجارب نيرة ممن عرفوا دهاليز فن كرة القدم وسبروا أغوارها. متى استطعنا أن نجعلهم يدونون لنا خلاصة مسيرتهم في ملاعبنا، مضيفين إليها توصياتهم التي يرون أنها جديرة بالتطبيق على أرض الواقع، نصل إلى درجة من الكمال المرضي عنه. من ياترى يعلق الجرس من وسائل الإعلام المقروء أو المرئي في العمل على استقطابهم للكتابة فنبني منها أرشيفا ثقافيا ينمي فكر العاملين في هذا المجال، وهل سيبادر الاتحاد السعودي في الاستفادة من هذه الخبرات التي تعايش مشاكلنا عن قرب من خلال التدوين أو من خلال ورش عمل تقام أثناء فترات التوقف في الموسم الرياضي أو حتى بعد نهاية الموسم، تكون فيها الدعوة مفتوحة لمن يرغب فيكون النقاش مفتوحاً والبحث يستمر مرة بعد مرة. من العجز التفريط بهذا الجانب، وإن كانت هناك إشراقات لهذا الفن نرى لها بدايات من خلال ما يطرحه برنامج في المرمى مع بتال القوس، فهو باستضافته لعدد من المدربين والمحترفين غير السعوديين ينجح في استنطاقهم وتقديم صورة لا يراها المتابع تتيح الفرصة لمعرفة شيء من أفكارهم وخلجات أنفسهم. فمتى تكتمل الصورة ونرى مشروعاً يؤسس لهذا النهج في التدوين والتأسيس للثقافة والفكر في الرياضة.