وصلت رواية الأديب المصري محمد عبدالنبي «في غرفة العنكبوت»، الصادرة عن دار «العين للنشر»، إلى قائمة «البوكر» القصيرة، وليس القائمة الطويلة فحسب كما روايته السابقة «رجوع الشيخ». أعرب عبد النبي لـ «الجريدة» عن أمله في الفوز بالجائزة، مشيراً إلى المجهود الذي بذله في كتابة هذه الرواية التي حصدت صدى كبيراً بعد طرحها للقراء. محمد عبد النبي يكتب أيضاً القصة القصيرة ويمارس الترجمة، وحصد من خلالها جوائز عدة، آخرها جائزة الدولة التشجيعية عن ترجمته رواية «اشتهاء» للكاتب الليبي هشام مطر، وفاز بجائزة «معرض القاهرة للكتاب» العام قبل الماضي عن مجموعته القصصية «كما يذهب السيل بقرية نائمة». كيف ترى وصول رواية «في غرفة العنكبوت» إلى قائمة «البوكر» القصيرة؟ وألا تخشى عدم الفوز كما حدث مع روايتك السابقة «رجوع الشيخ» التي اقتصرت على القائمة الطويلة؟ جزء من سعادتي بوصول الرواية إلى قائمة «البوكر» القصيرة هو أن المجهود الذي بذلته فيها وجد صداه لدى القراء ثم لدى أعضاء لجنة التحكيم بوصفهم قراء أكثر دراية. وبدرجة أخرى يعود إلى موضوع الرواية نفسه الذي يحتاج إلى مزيد من إلقاء الضوء عليه والطرح والنقاش في عالمنا العربي. أمَّا مسألة ترشحها للقائمة القصيرة فتمنيت حدوثه طبعاً وألا يتكرر سيناريو «رجوع الشيخ». ولكن هذه المرة مختلفة لأن الرواية حققت من النجاح في أقل من عام ما يرضيني للغاية، ولن يكون استبعادي من الجائزة أمراً مؤسفاً إلّا لأسباب مادية واضحة، عدا ذلك فالجوائز الأدبية «يانصيب» أنيق لا أكثر ولا أقل. تتجلى المشهدية في الرواية بشكل كبير، فهل ترغب في تحويلها إلى عمل سينمائي؟ ليست كل كتابة مشهدية هي كتابة سينمائية أو على الأقل تطمح إلى التحوّل إلى السينما. جزء مهم من لعبة التخييل السردي هي توريط حوّاس القارئ في العالم الذي تشتغل عليه الرواية، ليس البصر فحسب ولكن حواسه كافة، ولهذه الأداة الأساسية أدوار ووظائف عدة غير الإيهام أو توريط القارئ طبعاً. للكتابة الأدبية شروطها المختلفة عن كتابة دراما الفيلم أو المسلسل، حيث تتدخل في الدراما عوامل كثيرة أخرى متعلقة بضرورات الإنتاج وشروط رقابية أشد. شخصياً، لا أرغب في تحويل الرواية إلى عمل سينمائي لأن فرص تقديم كل ما تحتوي عليه الرواية أو معظمه على الشاشة ضئيلة للغاية حالياً. ثمة تعاطف مع بطل الرواية «هاني محفوظ»، فكيف تبدو علاقتك بشخصياتك؟ لا أظنّ أنه التعاطف، فإن كان كذلك فهو ليس التعاطف الوجداني الخام الساذج، بقدر ما هو نوع من الانحياز إلى أضعف طرف في معادلة السُلطة، من دون إنكار في الوقت نفسه ما قد يؤدي إليه مثلاً زواج هاني محفوظ تحت ضغوط أسرته ومجتمعه رغم ميوله الأخرى. محبة الكاتب لأبطاله يجب أن تكون عمياء غافلة عن مشكلاتهم، ولا يجب أن يقتصر دوره أيضاً على توفير مبررات لسقطاتهم. الحقيقة أن المسألة أعقد من هذا، وربما تتحدّد في إتاحة الفرصة لهم على أن يقدّموا شهادتهم كاملة، بجوانبهم كافة التي قد يعتبرها الآخرون إيجابية أو سلبية، فتلك كلها أمور نسبية يمكن الاتفاق والاختلاف حولها طويلاً. الأمر الأساسي أن ننصت إلى أصواتهم وحكاياتهم من دون أفكار مسبقة أو انحيازات أخلاقية صارمة. تتحدّث الرواية عن قضية حساسة، فكيف ترى الكتابة عن المسكوت عنه؟ لا أستطيع أن أحدّد معنى واضحاً لمصطلح المسكوت عنه، وما الذي نقصده عندما نردده. المشكلة لم تعد، في ظَني، أن هذه القضية مسألة لا تُطرح في النقاش العام وحوارات كل يوم وفي الفن والأدب، بقدر ما هي في طريقة طرحها وتناولها التي ما زالت تقف عند طرفي الانحياز (مع أو ضد). ثمة أفراد لم تعجبهم الرواية وكتبوا هذا على صفحاتهم لأنها لم تقدّمهم بالصورة التي كانوا ينتظرونها أو التي يرونها لأنفسهم، هذا معناه أن الفن يُورّط في معارك اجتماعية وثقافية وأخلاقية ما إن يقترب من مناطق بعينها، قد نقول إنها شائكة قليلاً. من ثم، يُحسب بمعايير الموقف الأخلاقي وليس بالمعايير الوحيدة التي يعرفها، أي المعايير الفنية التي تستطيع أن تتجاوز الخير والشر والمؤيد والمعارض إلى منطقة أخرى أدنى من القبول الإنساني والرغبة في التعرّف دون إطلاق أية أحكام سهلة. رقابة وتوثيق ألم تخش منع الرقابة نصك أو اعتراض دور النشر عليه؟ عملياً، لا رقابة مباشرة وواضحة على الأدب في مصر، وكل ما حصل في هذا النطاق جاء بعد نشر الأعمال الأدبية ومن خلال قضايا يرفعها متطوعون لحماية أخلاق المجتمع وثوابته. من ثم، لا أعرف ما الذي كان يُفترض بي أن أخشاه، خصوصاً أن الرواية لم تبلغ في لغتها على الأقل مستوى الجرأة الذي سبقتها إليه أعمال أخرى عدة من أجيال مختلفة من مبدعين مصريين. أمّا تناولها موضوعها فهو مطروح مثل أي قضية أخرى قد تتحدّث عنها رواية ما. هي في النهاية رواية لذلك لا مجال للخشية أو التهيّب. كيف خرجت من فخ الكتابة التوثيقة في الرواية، خصوصاً أنك ذكرت تناولك لحوادث ووقائع وتعاملك مع شخصيات حقيقية خلال الإعداد للرواية؟ الكتابة التوثيقية ليست فخاً على الدوام، بل ربما تنتج أعمالاً جميلة، بعيداً عن الأدب. لأبتعد قدر الإمكان عن الحوادث الحقيقية التي تناولتها الرواية، استعنت بالتخييل والاستغراق تماماً في شخصيتي الأساسية، هاني محفوظ، والإنصات إليه، بتفاصيله وعالمه وصوته ورؤيته للعالم. هكذا، لم أعد إنتاج ما قرأت أو سمعت أو رأيت، بقدر ما حوّلت هذا كله إلى وقود يساعدني في تجسيد هاني محفوظ وعالمه المتخيلين مئة في المئة. قدّمت لنحو خمس سنوات ورشة إبداعية في مجال الكتابة بعنوان «الحكاية وما فيها». كيف تصف هذه التجربة؟ ورشة «الحكاية وما فيها» بدفعاتها المختلفة، وكتاب «الحكاية وما فيها»، تجربتان أثرتا بي كثيراً على المستويين الإنساني والفني. كان ولعي بأساليب وتقنيات الكتابة السردية وتناقلها وتعليمها محركاً أساسياً من محركات همتي للكتابة نفسها. الآن تحديداً وقد انتشرت ظاهرة الورش الأدبية بأشكال متنوعة، أظنّ أنني بحاجة إلى اتخاذ خطوة إلى الخلف وإعادة النظر في ما إذا كان عليَّ أن أقدّم شيئاً مختلفاً ربما أكون أنا أو الآخرون أحوج إليه في هذه اللحظة. أجهل ما هو تحديداً، لكنه ليس ورشة كتابة بالتأكيد. الترجمة يعمل محمد عبدالنبي أيضاً في حقل الترجمة ونال أخيراً جائزة الدولة التشجيعية في مصر عن ترجمة رواية «اشتهاء» لليبي هشام مطر. يقول في هذا المجال: «هل خبرتي بمهنة الترجمة، في الوقت الراهن، تتيح لي تكوين ما قد نسميه «رؤية» لها؟ والجواب الواضح هو لا، خبرتي محدودة بأعمال قليلة ترجمتها وبخبرة سنوات محددة. عموماً، مسائل الترجمة وخيانة النص والأمانة له كانت وما زالت موضع بحث ودراسة لا ينتهي. شخصياً، ما أطمح إليه، في الترجمة، أن أنتج نصاً جميلاً مقروءاً لا يكاد يشعر قراؤه بأنه نص مترجم إلّا في حالات الضرورة القصوى».