×
محافظة المنطقة الشرقية

لجنة تحقيق أممية تتهم أطراف النزاع في حلب بارتكاب جرائم حرب

صورة الخبر

إعداد:محمد هاني عطوي حتى الخمسينات من القرن الماضي، كان علماء «اللسانيات» يرون أن الطفل يتعلم التحدث فقط عن طريق التقليد، لكن تم التشكيك بهذا النهج التجريبي من قبل اللغوي والفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي، لأنه كان يعتقد بأن البيئة اللغوية للطفل الفقيرة للغاية، لا تمكنه من الحصول على ذلك الثراء الملحوظ في اللغة، ورأى تشومسكي أن الطفل يمتلك استعداداً مسبقاً للتعامل مع بعض البنى اللغوية، ومن هنا جاءت نظريته في وجود قواعد لغوية «نحوية» عالمية، مزروعة في الدماغ. الواقع أننا أمام نوع جديد من التأمل، أو وسيلة جديدة للاستماع إلى صوتنا الداخلي.. التجربة أجراها الباحث ديفيد بوبيل من جامعة نيويورك، وهي وسيلة فاعلة بشكل خاص لمشاهدة «جيشان» دماغنا، عندما نقرأ، أو نستمع إلى الجمل، وهذه التجربة تأتي لتؤكد قول علماء آخرين في مجال الأعصاب بدءاً من الفرنسيين، كريستوف بالييه، وستانيسلاس ديهان؛ حيث رأى هؤلاء بالفعل في السنوات الأخيرة، أن جميع اللغات، رغم تنوعها، تستند على البنية المجردة نفسها التي تنغرز في التنظيم الخلوي العصبي للدماغ البشري، ما يثبت أن قواعد اللغة، هي في المقام الأول عقلية أو ذهنية، بمعنى أن دماغنا مزود بنوع من البرمجيات، أي نظام معالجة اللغة، وهو قادر على التحليل التلقائي بشكل غير واع إلى حد كبير، وهو ما يسمى بالتنظيم الخفي للغة، هذا المفهوم، نحن مدينون فيه لنعوم تشومسكي، اللغوي الشهير، الذي أحدث في عام 1950، ثورة لغوية من خلال طرحه نظرية «اللسانيات التوليدية». مبدأ هذه النظرية، يقوم على الآتي: الجملة لا يراها الدماغ كسلسلة مسطحة «كليشيه»، لكن كبنية تدير مجموعات من الكلمات متصلة ببعضها عن طريق الإعراب، أي القواعد النحوية والمبادئ التي تحكم العلاقات بين الكلمات في جمل، وخذ على سبيل المثال عبارة «الكلب يشرب حليب القط»، وفقاً لنظرية تشومسكي، فإن عبارة «حليب القط»، تشكل سلسلة من الكلمات غير قابلة للانفصال، بمعنى أنه يمكنك أن تكتب العبارة التالية: «إنه حليب القط الذي يشربه الكلب»، «وليس»: «إنه الحليب الذي يشربه الكلب من القط»، فنعوم تشومسكي الذي يضع عملية التوحيد هذه والمكونة من عنصرين في عملية توحيد ثالثة، ويسميها «الانصهار- دمج»، في قلب اللغة، ويرى تشومسكي أنه من الممكن في هذه العملية تضمين أو تركيب المكونات في بعضها بعضاً، في هياكل متفرعة على نحو متزايد، كأن نقول مثلاً: «كلب الجارة يشرب حليب القط»، وهنا نجد أن عبارة كلب الجارة، تأتي لتضاف إلى عبارة «حليب القط»، وهكذا، وهذا يعني أن كل جملة يمكن أن تمثل بشجرة مقلوبة فروعها هي الكلمات، وفروعها مجموعة الكلمات. أشجار في الرأسوتقول آن كريستوف، مديرة مختبر علم الإدراك وعلم نفس اللغة في ENS، في باريس: منذ عام 1950، يخبرنا تشومسكي، أننا نمتلك أشجاراً في الرأس، واليوم يتفق معظم اللغويين على وجود لمثل هذه التمثيل الهرمي، ولكن كان عليهم إثباته بالفعل، لأنه من جانب المتخصصين في الخلايا العصبية، نجد أن مفهوم القواعد اللغوية العقلية ما تزال محل نقاش، ومعظم الباحثين يشككون في فكرة التمثيلات المجردة في الدماغ على حد قول ديفيد بوبيل. ومن الناحية العملية، سجل ديفيد بوبيل النشاط الدماغي لمتطوعين صينيين وأمريكيين، بواسطة تقنية «التخطيط المغناطيسي للدماغ». وتساهم هذه التقنية في قياس المجالات المغناطيسية المنبعثة من النشاط الكهربائي للخلايا العصبية مباشرة؛ وذلك خلال الاستماع أو القراءة في لغتهم الأم، لسلسلة مكونة من مقطع يتكون بدوره من أربع كلمات، تعرض عليهم كل 250 ميلي ثانية عن طريق المزج الصوتي، وفي بعض الحالات، تقترح أربع كلمات لا علاقة بينها، وفي حالات أخرى، يمكن جمع الكلمات «مثنى مثنى»، مثل:«حمل صغير - سمكة كبيرة»، أو تشكيل جملة من أربعة عناصر تتألف من مجموعتين؛ حيث يتكون كل منها من كلمتين: «مخططات جديدة»- «منح -أمل»، وهنا نلاحظ أن النتائج واضحة، فالنسبة للقوائم العشوائية المكونة من أربعة مقاطع، كشف التسجيل أنه في مناطق معينة في الدماغ، خاصة المناطق السمعية على وجه الخصوص، تظهر قمم تشير إلى نشاط منتظم كل 250 ميلي ثانية، أي بمعدل تردد يبلغ 4 هرتزات، وهذا يعني أن التحفيز الصوتي قد تمت معالجته في الدماغ، من ناحية أخرى، نجد أنه أمام القوائم المكونة من كلمات، يمكن تصنيفها مثنى مثنى، ويتم إضافة الإشارة الثانية، عند تردد أبطأ مرتين، ويبلغ 2 هرتز، ما يدل على أن عملية التوحيد لكلمتين متتاليتين، تجري بالفعل في الدماغ، وعلى العكس من ذلك نجد أن القوائم المكونة من أربع كلمات مترابطة فيما بينها، ويتم التقاطها أيضاً من إشارات أخرى، ولكن بتردد يبلغ هذه المرة هرتز واحد، إضافة إلى 2 و 4 هرتزات، التي تظهر أن الكلمات قد أدرجت من قبل الدماغ كجملة تامة، وإزاء هذه الإيقاعات الدماغية المتداخلة مع بعضها بعضاً، يبدو الدماغ، وكأنه يقوم بالتالي بحساب الهياكل الشجرية النحوية. والحقيقة أن كل هذه الإشارات تصدر بفضل أجهزة استشعار تقع في نصف الكرة الأيسر من الدماغ؛ حيث توجد مناطق اللغة، ويقول الباحث اللغوي دينغ ناي، الذي شارك بالدراسة: «لقد قمنا بإزالة كل القرائن المتصلة بالبنية النحوية، ومع ذلك تبين لنا أن الدماغ يستجيب للبنى النحوية والعبارات، وهذا يدل على أنه يمكنه تحضير بنية الخطاب استناداً فقط على المعرفة النحوية الداخلية، وهو ما يؤكد نظرية تشومسكي». هياكل شجرية يقول كريستوف باليه: «الهياكل النحوية الشجرية أشياء يجب على الطفل كشفها في وقت مبكر في السنة الأولى من ولادته، أوأن هذه المَلَكة تكون فطرية تماماً»، وهذا هو ما يعتقده أيضاً تشومسكي، فهو يرى أن ميلنا إلى الجمع بين عنصرين في عنصر ثالث، نتيجة لطفرة جينية وقعت قبل خروج الإنسان الأول من إفريقيا، ما مكنه من ربط المفاهيم معاً، وبالتالي هيكلة أفكاره، وهذا ما منحه ميزة تطورية رئيسية، وثمة ملاحظة تدعم تلك الأطروحة الفطرية، وهي الأطفال المعرضين ل pidgin «لغة مبسطة فقيرة جداً نحوياً وتستخدم للتفاهم بين الشعوب الناطقة بلغات مختلفة»، في السن الذي يكتسب فيه لغته الأم، وما زالت تتولد حتى اليوم على يد مهاجرين من أصول متنوعة جلبوا ليعملوا معاً، وبشكل عفوي، نجد أن أطفال هؤلاء الأشخاص الكبار، يدخلون قواعد لغوية وإنشاء لغة مع كل التعقيدات النحوية، وحتى الآن من الصعب جداً أن نعرف من أين يخرج كل هذا، «هل من أدمغة الأطفال أنفسهم؟»، القضية لم تنته بعد. ميزة تطورية وفقاً للنموذج الذي تم تطويره في 1990، على يد بول سمولونسكي، أستاذ في العلوم المعرفية والإدراك بجامعة جونز هوبكنز، فإن كل كلمة مع وظيفتها النحوية ستكون مشفرة بمجموعة محددة من الخلايا العصبية، وهكذا ستكون الجملة متوافقة في النهاية مع نمط عصبي وحيد، مكون من مجموع النشاطات العصبية المتأثرة بكل عنصر من مكونات الكلمة.ولكن هل القواعد العقلية فطرية؟ وهل نولد مع دماغ معد مسبقاً لتحديد البنى اللغوية المجردة؟ أوضحت دراسة أجرتها سافيتا برنال، طالبة دكتوراه في مختبر علوم الإدراك وعلم نفس اللغة «ENS - باريس»، في 2010، أن دماغ الطفل البالغ من العمر سنتين، قادر على تحديد الانتهاكات النحوية، كما في الجملة: «الفتاة تأخذ الأكل»، بدلاً من: «الفتاة تأكل»، وتكشف العديد من الأبحاث أن الطفل يستخدم النحو ليتعلم الكلام.