في ثمانينيات القرن الماضي بدأت أبحاث اختيار جنس المولود حسب القاعدة العلمية الرئيسية المتعارف عليها بأن تحديد جنس المولود يحدد بنوع الكروموسوم الذي يحمله الحيوان المنوي إما أنثويا أو ذكريا. وفكرة التحكم بجنس المولود تشغل البشر منذ القدم لاعتبارات خاصة بعضها تحكمها الطبيعة والفطرة البشرية والاعتقادات المتوارثة المرتكزة على الاحتياجات الإنسانية وبعضها تحكمه الاحتياجات الطبية التي يفرضها كثير من الأمراض المرتبطة بالجين الذكري على حدة أو الجين الأنثوي. لكن الإجراء الطبي في التحديد يتجاوز في مجتمعاتنا العربية الاحتياجات الإنسانية المرتبطة بالجانب الصحي وتجنب الكثير من الأمراض المتوارثة بل ارتبط بتناقص عدد الإناث وإحداث خلل في التوزيع السكاني والتوازن الطبيعي بين الجنسين. وتشير الكثير من الإحصائيات العربية للسكان ارتفاع نسبة الذكور خاصة في بداية الألفية الجديدة مما يعد عنفا من نوع آخر تجاه الأنثى وانتهاكا لحقوق الإنسان أيضا. وفي آخر تعداد للسكان والمساكن في الأردن عام 2015 أكدت النتائج أن عدد الأطفال الذكور دون الخامسة من العمر يفوق عدد الطفلات الإناث من نفس الفئة العمرية بنسبة 5%. وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني إلى أنه وبالرغم من أن نسبة الذكور الى الإناث من عدد السكان في الأردن ضمن المعدلات الطبيعية وهي 103، إلا أن ما يثير المخاوف أن هذه النسبة هي أعلى بين فئة الأطفال حتى عمر 15 عاماً حيث تصل الى 106 (أي أنه يقابل كل 106 ذكور 100 أنثى)، وهذا مؤشر على بداية تأثير تحديد الجنس قبل الولادة على إرتفاع نسبة الذكور كما يؤدي الى تناقص عدد الإناث مما ينذر بمشكلات ديمغرافية مستقبلية تخل بالتوازن الطبيعي بين الجنسين. وكان مكتب الإحصاء السكاني في واشنطن قد أشار في تقرير عام 2012 أن هنالك 1.5 مليون أنثى حول العالم هن ضحايا لتحديد جنس الجنين سنوياً. مما يعني أن التقدم التكنولوجي الذي أتاح تحديد جنس المولود قبل الولادة بالإضافة إلى العادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية التي تعلي من شأن الذكور وترسخ التمييز بين الجنسين تؤدي الى تزايد عدد الإناث ضحايا تحديد جنس المولود، وتؤدي على المدى الطويل الى إخلال في التركيبة السكانية للمجتمعات مما يرتب آثاراً لا يمكن تداركها إذا لم يتنبه العالم الى خطورة ذلك. وفي أغلب مجتمعات العالم الثالث لا يوجد معارضة قوية بين الأسر لعدم وجود إناث اذا كان هنالك ذكور، إلا أن هذه المعارضة تتسع لتصل الى درجة تحديد الجنس في حال عدم وجود ذكور أو كانت الولادات الأولى هي من الإناث، في حين لا تكترث الأسر بمسألة تحديد جنس المولود ليكون أنثى في حال وجود ذكور في الأسرة الواحدة وعدم وجود إناث. وتشدد أغلب المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ومنهم "تضامن" الأردنية على أن ذلك كله يعد إنتهاكاً لحقوق النساء التي أقرتها الإتفاقيات الدولية كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وترسيخاً للتمييز وعدم المساواة بين الجنسين. ويتعارض تحديد جنس المولود لصالح الذكور مع ما اعتمدته 184 دولة خلال المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994 والذي عرّف الحقوق الإنجابية وأعطى الحق للأفراد رجالا ونساء في تحديد اختياراتهم الإنجابية بحرية ولكن دون تمييز. وتدعو جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" إلى تفعيل مشروع قانون استخدام التقنيات الطبية المساعدة على الإنجاب لعام 2009 الذي لا يزال يراوح مكانه، على الرغم من الانتشار الواسع لمراكز العقم والإخصاب في الأردن والتي يقدر عددها بحوالي 22 مركزاً منها 13 مركزاً تمتلك الأجهزة القادرة على تحديد جنس المولود، والتي تشهد إقبالاً كبيراً من قبل الأردنيين والأردنيات والعرب للإستفادة من التقنيات الحديثة التي تساعد النساء المتزوجات على الحمل واللاتي يعانين هن أو أزواجهن من مشاكل ذات علاقة بالموضوع. وقد عرف مشروع القانون انتقاء الجنس بأنه "تحديد جنس الجنين باستخدام التقنيات الطبية المساعدة على الإنجاب الخاصة بفصل الجين الأنثوي عن الذكري للأجنة قبل زراعتها بالتجويف الرحمي". وحظر مشروع القانون استخدام تلك التقنيات في تحديد جنس الجنين، حيث نص أنه: "يحظر استخدام التقنيات الطبية المساعدة في انتقاء الجنس ويستثنى من الحظر الأسباب التي تتعلق بالأمراض الوراثية المرتبطة بجنس الجنسن". ووضع مشروع القانون عقوبة لمن يخالف هذا النص بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة مالية. ويعتبر تحديد جنس الجنين قبل الولادة وإهمال وإنكار الإناث بعد الولادة عقبة تعيق المساعي الكثيرة لردم الفجوة بين الجنسين وتحقيق المساواة وتهدد أيضا التوازن الطبيعي للسكان في المستقبل.